التنفيذ / المحكمة المختصة بنظر الطلب وسلطتها / الكتب / بطلان حكم التحكيم ومدى رقابة محكمة النقض عليه (دراسة مقارنة) / سلطة المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان
عندما ترفع دعوى البطلان أمام المحكمة المختصة، وفقاً لأحكام قانون التحكيم المصري وكذلك قانون التحكيم الأردني، فإنها ترفع أمامها بصفة أصلية مبتدأه، وهي ليست طعنا بالاستئناف، كما أن المحكمة المختصة ليست كمحكمة استئناف، بالنسبة لحكم التحكيم المطعون فيه، ولا يطعن إمامها بالبطلان إلا الأحد الأسباب المذكورة حصرا والتي سبق بيانها.
لذلك ليس للمحكمة التي تنظر دعوى البطلان مراجعة حكم التحكيم، التقدير ملائمة أو مراقبة حسن تقدير المحكمين، وصواب أو خطا اجتهادهم في فهم الواقع وتكيفه، أو تفسير القانون وتطبيقه، لأن ذلك كله من اختصاص محكمة الاستئناف عند نظرها للطعن بالحكم بالاستئناف.
كما قضت محكمة التمييز الأردنية بأن: (دعوى بطلان حكم التحكيم ليست طعناً بالاستئناف، فلا تتسع لإعادة النظر في موضوع النزاع وتعيب قضاء الحكم فيه، كما أنه ليس لقاضي دعوى البطلان مراجعة حكم التحكيم لتقدير ملاءمته أو مراقبة حسن تقدير المحكمين وصواب أو خطأ اجتهادهم في فهم الواقع وتكييفه أو تفسير القانون وتطبيقه، ذلك أن الرقابة المنصوص عليها في المادة 49 من قانون التحكيم الأردني لها صيغة شكلية بحيث لا تنفذ إلى أصل النزاع ولا تسلط المحكمة رقابة على كيفية تأويل هيئة التحكيم للقانون وكيفية تطبيقه).
ولا يخرج في النتيجة حكم المحكمة التي تنظر دعوى البطلان وفقا لأحكام القانون المصري وكذلك الأردني عن أحد الفرضين:
الفرض الأول: الحكم برفض الدعوى لعدم جدوى السبب المبرر للطعن، وهي لن تحكم بذلك إلا بعد أن تتأكد من عدم صحة السبب أو الأسباب التي استند إليها الطاعن في طعنه، وفي هذه الحالة تتأكد صحة حكم التحكيم، ويحق للمستفيد منه أن يشرع في تنفيذه؛ إذا لم يكن قد بدأ بعد، أو الاستمرار في تنفيذه إذا كان قد تم وقفه بأمر من المحكمة التي كانت تنظر دعوى البطلان.
أما الفرض الثاني: الحكم بالبطلان استنادا على أحد الأسباب الموجبة لذلك؛ والمحددة على سبيل الحصر، وليس للمحكمة في هذه الحالة أن تتعرض الموضوع النزاع وتقضي فيه؛ إنما تقتصر سلطتها على القضاء بالبطلان فحسب.
ويرى البعض أن المشرع المصري ربما أراد بذلك أن يمنح الفرصة للأطراف للاتفاق على عرض النزاع على هيئة تحكيم جديدة، أو ذات المحكمين، ولم يشأ إجبارهم على المثول أمام قضاء الدولة وهو ما يعتبر تأكيدا على إعلاء دور إرادة الأطراف حتى فيما يتعلق بإدارة مرفق القضاء.
وقيل في تأييد هذا الاتجاه إن إعطاء المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان، سلطة التصدي للفصل في موضوع النزاع بعد الحكم ببطلان حكم التحكيم، يمثل مصادرة لحرية الأطراف الذين قد يفضلون العودة من جديد للتحكيم، أو رفع الدعوى أمام القضاء؛ ولكن أمام محكمة أول درجة حتى يمكنهم الطعن بالاستئناف فيما بعد، إعمالا لمبدأ التقاضي على درجتين.
وفي المقابل نجد أن بعض الفقه يرى بأنه لا يمكن الأخذ بهذا الفرض، وذلك على أساس إننا أمام محكمة درجة ثانية، وبالتالي لا يجوز رفع دعوى موضوعية مبتدأه أمامها، لأن نظام التقاضي على درجتين يتعلق بالنظام العام، فضلا عن أن هذه المحكمة هي في الأصل محكمة طعن في الأحكام، وليس لها أن تنظر دعاوي مبتدأه إلا إذا نص القانون على ذلك.
ومن وجهة نظرنا نعتقد بأنه لا يمكن تقرير هذه السلطة للمحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان دون نص صريح، حتى لو كان هناك اتفاق بين الأطراف على ذلك، وإن كان من الأفضل لو نص المشرع المصري وكذلك الأردني على إعطاء المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان سلطة نظر النزاع، والفصل فيه، بعد القضاء ببطلان حكم التحكيم.
ونعتقد إن ما ذهب إليه المشرع الكويتي في منح المحكمة المختصة الفصل في موضوع النزاع، إذا قضت ببطلان حكم التحكيم، دون أن يتوقف هذا الحل على إرادة الأطراف، يؤدي إلى سلب ومصادرة حرية الأطراف، الذين قد يفضلون العودة للتحكيم من جديد، فكان من الأفضل لو ترك الأمر لإرادة الأطراف بدلا من إلزامهم بالمثول أمام قضاء الدولة.
أما إذا لم يتفق الأطراف على حرمانها من هذه السلطة، فإنه يتعين عليها إذا أبطلت القرار التحكيمي، وفقاً للطعن المقدم إليها، ألا تقف عند هذا الحد، إنما يجب عليها أن تنظر الموضوع وتفصل فيه، وتكون سلطتها في نظر النزاع في حدود المهمة المعينة للمحكم.
ويجدر ملاحظة أن ما تم ذكره يقتصر فقط على قرار التحكيم الداخلي الوطني، ولا ينطبق على قرار التحكيم الداخلي الدولي، حيث إن سلطة المحكمة المختصة بنظر الطعن بطريق البطلان في التحكيم الداخلي الدولي لا تتعدى الفصل في مسألة الأبطال.
وفيما يتعلق بموقف المشرع الفرنسي، نجد أن المادة (1485) من قانون المرافعات، تنص على أنه: إذا قضت المحكمة المختصة بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم؛ ببطلانه، فإنها تفصل في موضوع النزاع في حدود مهمة المحكم، ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك.
ويفضل البعض - وبحق - موقف المشرع الفرنسي، على موقف المشرع المصري وفي هذا الشأن، على أساس إن المشرع الفرنسي قد أعطى الاختيار للأطراف فيستطيعون الاتفاق على استبعاد سلطة القضاء والتمسك بالتحكيم، في حال قضت المحكمة ببطلان حكم التحكيم.
ويجدر الإشارة إلى أن هذا الحل الذي جاء به المشرع الفرنسي يقتصر على حكم التحكيم الداخلي الوطني، ولا يمتد إلى حكم التحكيم الداخلي الدولي، إذ إن الحكم ببطلان حكم التحكيم الداخلي الدولي، لا يتيح للمحكمة التي أصدرته الفصل في موضوع النزاع، بعد القضاء ببطلان حكم التحكيم، وإنما تقتصر سلطتها. في هذه الحالة. على أن تقرر إبطال حكم التحكيم وتقف عند هذا الحد.