التنفيذ / المحكمة المختصة بنظر الطلب وسلطتها / الكتب / بطلان حكم التحكيم ومدى رقابة محكمة النقض عليه (دراسة مقارنة) / مشروعية رقابة محكمة التمييز في القانون الأردني واللبناني
سبق أن بينا أن المشرع الأردني قد أجاز الطعن في حكم التحكيم، بطريق دعوى البطلان، وأناط الاختصاص بنظرها لمحكمة الاستئناف، التي يجري التحكيم ضمن دائرة اختصاصها، وأجاز لأطراف اتفاق التحكيم الاتفاق على أن تنظر دعوى البطلان محكمة استئناف أخرى، إلا أنه لا يجوز الاتفاق على أن تنظر دعوى البطلان محكام الدرجة الأولى صلحية كانت أم ابتدائية، وهذا يعني أن القرار الصادر في دعوى البطلان في دعوى البطلان يكون دائماً صادراً من محكمة استئناف عليا، وفي جميع الأحوال؛ لا يخرج قرارها عن أحد الاحتمالين:
الأول: أن تقرر المحكمة تأييد حكم التحكيم، ورد دعوى البطلان.
والثاني: أن تقرر بطلان حكم التحكيم؛ لقيام إحدى الحالات أو الأسباب المنصوص عليها في المادة (49) من قانون التحكيم.
أما في حال إن قررت بطلان حكم التحكيم فعندئذ يكون هذا القرار قابلاً للطعن فيه أمام محكمة التمييز، وهذا معناه أن هذه المادة لا تجيز لرافع دعوى البطلان (المدعي) الطعن في قرار الصادر من محكمة الاستئناف بتأييد حكم التحكيم لدى محكمة التمييز، وفي الوقت نفسه تجيز للطرف الآخر (المدعي عليه)
كما قررت محكمة التمييز الأردنية في قرار حديث لها بتاريخ(2008/2/11) بأنه: (يستفيد من أحكام المادة 51 من قانون التحكيم رقم 31 لسنة 2001 والتي نصت على أنه إذا قضت المحكمة المختصة بتأييد حكم التحكيم وجب عليها أن تأمر بتنفيذه، ويكون قرارها في ذلك قطعياً، وإذا قضت ببطلان حكم التحكيم فيكون قرارها قابلاً للتمييز خلال ثلاثين يوماً من اليوم التالي للتبليغ، ويترتب على القرار القطعي ببطلان حكم التحكيم سقوط اتفاق التحكيم، وحيث إن القرار المميز قضى برد الطعن ببطلان حكم التحكيم وقضى بالأمر بتنفيذ قرار المحكم؛ فعليه يكون القرار قطعياً مما يستوجب رد التمييز شكلاً).
وعلى هذا نجد أن البعض يؤيد ما ذهب إليه المشرع الأردني في نص المادة (51) من قانون التحكيم ( في شأن عدم إجازته الطعن بالتمييز في القرار الصادر من محكمة الاستئناف بتأييد حكم التحكيم، واقتصاراً إجازته الطعن بالتمييز على القرار الصادر من محكمة الاستئناف ببطلان حكم التحكيم) على أساس أن ما جاء في النص سالف الذكر يؤدي إلى التقصير من أمد النزاع.
ولكن تجدر الإشارة إلى أن هناك نصاً مماثلاً لنص المادة (51) من قانون التحكيم الأردني في قانون التحكيم المصري، وهو ما جاء في البند (3) من نص المادة (58)، وهذا فيه ما يلي: " ولا يجوز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم، أما الأمر الصادر برفض التنفيذ فيجوز التظلم منه إلى المحكمة المختصة وفقاً لحكم المادة (9) من هذا القانون خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره".
ولقد حكمت المحكمة الدستورية العليا في مصر بعدم دستورية هذا البند في حكمها الصادر بتاريخ (2006/1/6)، وقالت المحكمة في أسباب حكمها إن الدستور قد كفل لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، إذ أن الأصل في تقرير هذا الحق أن تكافأ الناس جميعاً في مراكزهم القانونية.
ومن ثم تجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد في مواد القانون أصل المحاكمات المدنية الأردني - التي تنظم طرق الطعن في الأحكام الصادرة عن محاكم الاستئناف - نصاً مماثلاً لنص المادة (51) من قانون التحكيم، إذ يجوز وفقاً لنص المادة (191) من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني الطعن بالتمييز في الحكم الصادر من محكمة الاستئناف في الدعاوي التي تزيد قيمتها على عشرة آلاف دينار.
ويلاحظ من الجمع بين هذا النص ونص المادة (51) - من القانون التحكيم الأردني أن المشرع الأردني قد خرج عن القواعد العامة التي يؤخذ بها بالنسبة للطعن في الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف يتعلق بالطعن ضد حكم التحكيم في نقطتين:
الأولى: إنه فرق بين كون الحكم الصادر من محكمة الاستئناف في الطعن بالبطلان ضد حكم التحكيم قد صدر بتأييد حكم التحكيم أو بطلانه، وجعل الحكم في الحلة الأولى غير قابلاً للطعن فيه أمام محكمة التمييز، وفي الحالة الثانية قابلاً لذلك، ولا يوجد في قانون الأصول - كما ذكرنا - مثل هذا الحكم، إذ يجوز الطعن بالتمييز في الحكم الصادر من محكمة الاستئناف، إذا ما توافرت شروط ذلك، دون فرق بين كون الحكم الصادر من الاستئناف يقضي برفض الطعن أو قبوله.
الثانية: هي إن المشرع لم يحدد نصاباً ميعناً للطعن بالتمييز في الحكم الصادر من محكمة الاستئناف في دعوى البطلان، حيث يقبل الحكم الصادر من محكمة الاستئناف في دعوى البطلان الطعن فيه أمام محكمة التمييز، إذا ما توفرت شروط الطعن، دون تفرقه بين كون قيمة الدعوى التحكيمية - التي طعن بالحكم الصادر فيها بالبطلان أمام محكمة الاستئناف - تزيد قيمتها على عشرة آلاف دينار أم لا، وهذا يعني أن المشرع الأردني قد خرج في مجال التحكيم عن القاعدة العامة.
بيد أنه يتطلب من الوقوف على موقف القانون اللبناني بشكل واضح، استحضار أمرين قد تم بيانهما:
الأمر الأول: إن قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني قد أجاز استئناف قرار التحكيم، سواء أكان التحكيم طبقاً للقانون، أم طبقاً لقواعد العدالة والإنصاف (التحكيم المطلق)، إذ جعل طريق الاستئناف هو الطريق الأصلي للطعن بقرار التحكيم، إذا كان التحكيم طبقاً للقانون.
الأمر الثاني: إن القانون اللبناني قد جعل الاختصاص بنظر الطعن في قرار التحكيم - سواء أكان طعن بالبطلان أم بالاستئناف - لمحكمة الاستئناف العليا الصادر في نطاقها قرار التحكيم، وهذا يعني بأن القرار الذي يصدر في الطعن في قرار التحكيم يكون دائماً صادراً من محكمة الاستئناف عليا.
أما إذا كان التحكيم وفقاً لقواعد العدالة والإنصاف، فإن القرار الصادر من محكمة الاستئناف، بمناسبة الطعن لديها بالإبطال أو الاستئناف في حكم التحكيم، لا يقبل الطعن عليه بالتمييز ما لم يكن القرار الصادر من محكمة الاستئناف يقضي بقبول الطعن بالإبطال - أي ببطلان قرار التحكيم - أو قبول الطعن بالاستئناف.
بمعنى آخر، إذا كان قرار التحكيم قد صدر من هيئة تحكيم مفوضه بالحكم، وفقاً لقواعد العدالة والإنصاف، وتم الطعن بالقرار بالإبطال، أو بالاستئناف، فإن القرار الصادر من محكمة الاستئناف لا يكون قابلاً للطعن فيه أمام محكمة التمييز ما لم يكن هذا القرار قد صدر بقبول الطن بالإبطال أو بقبول الطعن بالاستئناف، وهذا يعني بأنه إذا كان قرار محكمة الاستئناف رد الطعن بالإبطال، أو رد الطعن بالاستئناف، وتأييد قرار التحكيم الصادر طبقاً لقواعد العدالة.