فإذ يسود في التحكيم المبدأ الذي بمقتضاه تنتهى ولاية المحكمين بالنزاع بمجرد صدور حكم التحكيم، ومن ثم تعل يدهم عن الخصومة، فإن تنفيذه لا يتوقف على إيداعه بل على الموقف الذي يتخذه الطرفان منه، فإما أن يقوما بتنفيذه تنفيذا وديا amiablement متى اتفقا على ذلك بعد تحققهما من صحته، وإما أن لا يحظى الحكم بهذا التنفيذ الودى، وحينئذ لا يكون هناك مناص أمام المحكوم لــــه سوى طلب تنفيذه جبرا. وقد يكون قبول المحكوم عليه لتنفيذ حكم التحكيم وديــــا صريحا أو ضمنيا، ولا يشترط شلك أو طريقة معينة للقبول الصريح exprés فقد يكون بخطاب يوجهه المحكوم عليه إلى المحكوم له باستعداده لتنفيذ الحكم أو بعدم عزمه الطعن فيه أما القبول الضمني tacite فيستخلص من ظروف الحال التي لا تدع مجالا للشك في صدور هذا القبول عن إرادة واضحة ومؤكدة لتنفيذ الحكم كما لو شرع المحكوم عليه فعلا في تنفيذه.
ومتى قبل المحكوم عليه تنفيذ حكم التحكيم تنفيذا وديا فلا محل بعد ذلك لاتباع إجراءات التنفيذ الجبرى، ويجوز للجهة القضائية المختصة بإصدار أمــــر التنفيذ رفض طلب المحكوم له بالأمر بالتنفيذ. إنما يجب على هذه الجهـة، قبــل رفض هذا الطب، التحقق من قبول المحكوم عليه لتنفيذه اختيارا لا سيما إذا كان القبول ضمنيا، وذلك حتى تتحقق من أن هذا القبول واضحا ومؤكدا وكاشفا عن إرادة تنفيذ الحكم اختيارا دون لبس أو إيهام لذا قضى بجواز الأمر بتنفيذ حكم التحكيم تأسيسا على أن المحكوم عليه ولئن ارتضى قيامه بوفاء جزء المحكوم به إلا أن رضاءه الوفاء بهذا الجزء لا يفيد رضاءه بالوفاء بالأجزاءالباقية من هذا الدين وفاء وديا.
التنفيذ الجبرى لأحكام التحكيم وفقاً لقانون التحكيم :
نصت المادة الأولى من قانون التحكيم على أن مع عدم الاخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية تسرى أحكــام هـذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أياً كانت طبيعة العلاقة التي يدور حولها النزاع إذا كان هذا التحكيم يجـــرى فـــي مصر أو كان تحكيماً تجارياً دولياً يجرى فى الخارج واتفق أطرافه على اخضاعه لأحكام هذا القانون. فمن هذا النص يتضح أن نصوص قانون التحكيم المتعلقة بتنفيذ الأحكام تسرى على أحكام التحكيم التالية:
1 - أحكام التحكيم الذى يجرى فى مصر أياً كان أطرافه وأياً كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع. وبعبارة أخرى يسرى علــى أحكام التحكيم الداخلى البحث وأحكام التحكيم الدولي الذي يجرى فى مصر.
2 - أحكام التحكيم الذي يجرى فى الخارج إذا كان تحكيماً تجارياً دولياً واتفــــق الأطراف المحتكمون على اخضاعه لقانون لقانون التحكيم المصرى بوصفه قانون الإرادة.
أما أحكام التحكيم التي تصدر في الخارج دون اتفاق الأطراف المحتكمون على خضوعها لقانون التحكيم المصرى، فسوف تخضع لقواعد تنفيذ الأحكام الأجنبية المنظمة بقانون المرافعات المدنية والتجارية (م 296 - 301 ) وذلك ما لم تكن خاضعة لأحكام اتفاقية دولية.
هذا ، فإن حكم التحكيم لا يتم تنفيذه إلا بعد استصدار أمراً – من القضاء - بتنفيذه
تقضى الفقرة الأولى من المادة ٥٦ من قانون التحكيم بأن يختص رئيس المحكمة المشار إليها في المادة التاسعة من هذا القانون أو من يندبه من قضاتها بإصدار الأمر بتنفيذ حكم المحكمين. كما تقرر الفقرة الأولى من المادة التاسعة المذكورة بأن يكون الاختصاص بنظر مسائل التحكيم التي يحيلها هذا القانون إلـــى القضاء المصرى للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع أما إذا كان التحكيم تجارياً دوليا سواء جرى في مصر أو في الخارج فيكون الاختصاص لمحكمة استئناف القاهرة ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى مصـر .
فمن هذه النصوص يتضح لنا أن المشرع المصرى قد ميز بين كــل مــن التحكيم الداخلي والتحكيم التجارى الدولى حيث أن الاختصاص بإصدار الأمر بالتنفيذ بالنسبة للتحكيم الداخلى ينعقد لرئيس المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع لو لم يوجد اتفاق على التحكيم والتي قد تكون حسب الأحوال جزئية أو كلية أو استئنافية ويراعى فى ذلك الاختصاص القيمي والمحلى للمحاكم المصرية.