المحكم وهيئة التحكيم / احترام مبدأ المواجهة بين الخصوم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / استقلال شرط التحكيم بين النظرية والتطبيق / مبدأ المواجهة واحترام حق الدفاع
يقصد بحق الدفاع إتاحة الفرصة لطرفي النزاع ليبدي كل طرف أوجه ادعاءاته واعتراضاته وتفنيد مزاعم خصمه، وتمكينه من كل ما من شأنه إثبات دعواه مع عدم التفات المحكم عن أي من مستندات الخصم أو أدلته التي تعتبر دفاعاً جوهرياً من شأنها أن يتغير بها وجه الحكم في النزاع.
وقد قضت محكمة النقض المصرية في هذا الشأن بأنه "لئن كان صحيحاً أن المحكمين يلتزمون رغم إعفائهم من التقيد بإجراءات المرافعات بمراعاة المبادئ الأساسية في التقاضي وأهمها مبدأ احترام حقوق الدفاع – وإذا كان الثابت من الأوراق أن المحكمين قرروا بجلسة 1956/7/5 بعد أن تقدم الخصوم بدفاعهم ومستنداتهم إصدار الحكم في 1956/8/16 ثم عادوا وقرروا وقف الدعوى لحين الفصل في طلب الرد المقدم ضد أحدهم ولما حكم نهائية في الطلب برفضه قرروا إصدار حكمهم في 1957/4/27 بعد إخطار الخصوم فإن عدم تحديدهم جلسة للمرافعة بعد الفصل في طلب الرد قبل إصدار الحكم لا يكون فيه إهدار للمبادئ الأساسية للتقاضي أو الإخلال بحق الدفاع .
إلا إذا تخلف أحد الأطراف عن الحضور إرادياً رغم تبليغه مكان وموعد جلسة التحكيم بالطرق المقبولة قانوناً.
فمن هذه التعريفات يتضح أن إعمال مبدأ المواجهة يتمثل في مراعاة العناصر الآتية (حق الخصم في تقديم ما يدعم وجهة نظره وحق الخصم الآخر في الاطلاع على ما قدمه خصمه لمناقشته، وحق كل خصم في مناقشة عناصر الواقع والقانون التي يطرحها المحكم من تلقاء نفسه وهذا ما حرص المشرع المصري على تقريره صراحة بالمادة (٢٦ تحكيم مصري) التي تنص على أن "يعامل طرفا التحكيم على قدم المساواة وتهيأ لكل منهما فرصة متكافئة وكاملة لعرض دعواه. وقد أضافت المادة (۳۱) تحكيم « بأن ترسل صورة مما يقدمه أحد الطرفين إلى هيئة التحكيم من مذكرات أو مستندات أو أوراق أخرى إلى الطرف الآخر، وكذلك ترسل إلى كل من الطرفين صورة من كل ما يقدم إلى الهيئة المذكورة من تقارير الخبراء والمستندات وغيرها من الأدلة» .
وأيضا فالفقرة الأولى من المادة 33 من قانون التحكيم تبرز بوضوح مدى تصميم المشرع المصري على إعمال مبدأ المواجهة على الوجه المنشود حيث تقضي بأن « تعقد هيئة التحكيم جلسات مرافعة لتمكين كل من الطرفين من شرح موضوع الدعوى وعرض حججه وأدلته ولها الاكتفاء بتقديم المذكرات والوثائق المكتوبة ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك»، كما تضيف إليها الفقرة الثانية بأنه « يجب إخطار طرفي التحكيم بمواعيد الجلسات والاجتماعات التي تقرر هيئة التحكيم عقدها قبل التاريخ الذي تعينه لذلك بوقت كاف تقدره هذه الهيئة حسب الظروف» وتدون خلاصة وقائع كل جلسة تعقدها هيئة التحكيم في محضر تسلم منه صورة إلى كل من الطرفين ما لم يتفقا على غير ذلك.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أن الفقرة الأولى من المادة 36 تحكيم تقرر أنه « في حالة استعانة هيئة التحكيم برأي خبير معين فإنها ترسل إلى كل من الطرفين صورة من قرارها بتحديد المهمة المسندة إليه»، وبمجرد إيداع الخبير لتقريره فإن هيئة التحكيم ترسل صورة منه إلى كلا الطرفين مع إتاحة الفرصة له لإبداء رأيه فيه.
كما أن لكل منهما الحق في الاطلاع على الوثائق التي استند إليها الخبير في تقريره لفحصها ، فإذا استدعى الأمر مناقشة الخبير في تقريره فإن الفقرة الأخيرة من المادة المذكورة تضيف أن الهيئة التحكيم بعد تقديم تقرير الخبير أن تقرر من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد طرفي التحكيم عقد جلسة لسماع أقوال الخبير مع إتاحة الفرصة للطرفين لسماعه ومناقشته بشأن ما ورد في تقريره ولكل من الطرفين أن يقدم في هذه الجلسة خبيرا أو أكثر من طرفه لإبداء الرأي في المسائل التي تناولها تقرير الخبير الذي عينته هيئة التحكيم ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك».
وقضت محكمة النقض بأنه "إذا عن لخصم بعد قفل باب المرافعة في الدعوى أو أثناء المدة المصرح فيها بتقديم مذكرات أن يبدي دفاعا، أو يقدم أوراقا أو مستندات استكمالا لدفاعه السابق الذي أبداه قبل حجز القضية للحكم، وطلب إعادة فتح باب المرافعة في الدعوى تمكيناً لخصمه من الرد على هذا الدفاع، فإن واجب المحكمة – وهي في معرض التحقق من مدى جدية الطلب – أن تطلع على ما ارتأى الخصم استكمال دفاعه به، توطئة للتقرير بما إذا كان يتسم بالجدية، أم قصد به عرقلة الفصل في الدعوى وإطالة أمد التقاضي، فإذا ما ارتأته متسما بالجدية بأن كان دفاعا جوهريا من شأنه – إذا صح – تغيير وجه الرأي في الحكم، فإنها تكون ملزمة بقبول ما رافق الطلب من أوراق أو مستندات وبإعادة فتح باب المرافعة في الدعوى تحقيقا لمبدأ المواجهة بين الخصوم وإلا تكون قد أخلت بحق الدفاع المعتبر أصلا هاما من أصول المرافعات والذي يمتد إلى كل العناصر التي تشكل تأثيرا على ضمير القاضي، ويؤدي إلى حسن سير العدالة" لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن الشركة الطاعنة تقدمت أثناء حجز الدعوى للحكم بطلب لإعادة فتح باب المرافعة أرفق به كتاب الشركة المطعون ضدها المؤرخ ٢٠١٨/١/١٦ والمتضمن صدور قرار رئيس مجلس الوزراء بمد مدة العقد موضوع النزاع لينتهي في ۲۰۱۷/۹/۲۸ وعدم تحميل غرامات تأخير على الطاعنة، وأن التوريد تم خلال مدة التعاقد، وقدم رفق أوراق الطعن صورة رسمية من طلب إعادة فتح باب المرافعة أرفق به صورة ضوئية من كتاب الشركة المطعون ضدها والسالف ذكره، إلا أن المحكمة التفتت عنه إيراداً ورداً بما ينبئ عن أنها تخلت عن واجبها في التحقق من مدى جدية الطلب وبحث دلالته وأثره وما رافقه من مستندات في الدعوى، فإن حكمها – والحال هذه – يكون معيباً بمخالفة القانون والقصور في التسبيب بما يبطله".
ومما ينبغي التنويه إليه أنه لا يكفي لإعمال مبدأ المواجهة إخطار الخصوم بمواعيد الجلسات فقط بل يجب على هيئة التحكيم أن تتحقق من صحة الإخطار وإلا أمرت بإعادة إخطاره قياسا على الخصومة القضائية.
وقضت محكمة النقض المصرية بأنه لا قضاء إلا في خصومة تحققت فيها المواجهة بين الخصوم باعتبارها ركناً من أركان التقاضي لا يقوم إلا بتحقق هذه المواجهة بتمام إجراءاتها وإعلاناتها وفق صحيح القانون فإذا انعدمت يمتنع على المحاكم الاستمرار في نظرها والتصدي لها والفصل في موضوعها وإصدار حكم فيها سواء بالقبول أو الرفض بل تقف عند هذا الحد".
وقضت محكمة النقض أيضا بأن مؤدى نصوص المواد ۱۳۰ وما بعدها من قانون المرافعات أن أحكام انقطاع سير الخصومة تسري بحسب الأصل على جميع الدعاوى أمام المحاكم كافة باختلاف أنواعها ودرجاتها لأن هذه الأحكام تتعلق بأصل جوهري من أصول المرافعات هو مبدأ المواجهة بين الخصوم وكانت خصومة الطعن بالنقض لا تخرج عن هذا الأصل ذلك أن عدم انقطاع سير الخصومة بعد استيفاء إجراءات الطعن وانقضاء الآجال التي حددها القانون لإيداع المذكرات لا يرجع إلى أن الطعن بالنقض لا يخضع لأحكام الانقطاع وإنما إعمالاً لنص المادتين ۱/۱۳۰، ۱۳۱ من قانون المرافعات باعتبار أن الطعن بعد انتهاء مواعيد المذكرات يصبح منهياً للحكم فيه".
وقد قضت محكمة النقض الفرنسية ببطلان حكم تحكيم على أساس أن أحد المحكمين أجرى اتصالات مع أحد الطرفين لإجراء تحريات عن مسائل مشتركة تتصل بالقضية دون علم الطرف الآخر باعتبار أن ما أجراه المحكم يعتبر إخلالا بمبدأ المواجهة .
كما قضت بأن مبدأ المواجهة ينبع من النظام الدولي العام حيث ترى محكمة استئناف باريس أن مبدأ المواجهة يعتبر صورة من صور الحق في الدفاع أي شرطاً لممارسته وبغيره لا تتوافر للأطراف خصومة عادلة وأن هذا الحق ينتج من النظام العام الدولي فإن تمت مخالفته كان الجزاء البطلان .
وفي إحدى القضايا الدولية المتعلقة بالنظام العام والتي عرضت أمام محكمة استئناف باريس بتاریخ 17 ديسمبر عام 1991، بمناسبة النظر في الطعن المقدم من شركة Gatoil البنمية ضد قرارين؛ أحدهما: جزئي، والآخر : نهائي، صادرين لصالح الشركة الإيرانية للبترول، حيث قضت المحكمة بأنه "وحيث إنه في مادة التحكيم الدولي، فإن مبدأ استقلال شرط التحكيم ذو تطبيق عام وبعد قاعدة دولية تقرر شرعية اتفاق التحكيم بعيداً عن كل مرجعية لنظام تنازع القوانين، وأن تقرير صحة اتفاق التحكيم ينبغي أن يكون بالنظر فقط إلى مقتضيات النظام العام الدولي. وحيث إنه في الدعوى الماثلة والتي تتعلق بعقود دولية مبرمة من أجل حاجات وفي الشروط المطابقة لأعراف التجارة الدولية، فإن اتفاق التحكيم يكون مطابقاً للنظام العام الدولي، والذي يمنع الشركة الوطنية الإيرانية للبترول من التمسك بالنصوص المقيدة الواردة بقانونها الداخلي من أجل التنصل من التحكيم المتفق عليه بين الطرفين، وبالمثل، فإن شركة Gatoil لا يمكن لها أن تستند إلى الأحكام الواردة في القانون الإيراني لكي تنازع في أهلية وسلطات الشركة الوطنية الإيرانية للبترول بينما النظام العام الدولي غير معني بالشروط المقيدة في القانون الداخلي".
وقضت محكمة النقض بأنه لما كان طلب الدفاع في ختام مرافعته أصلياً الحكم بالبراءة واحتياطياً استدعاء شهود الإثبات لمناقشتهم أمام الهيئة الجديدة التي فصلت في الدعوى بعد طلباً جازماً تلتزم المحكمة بإجابته متى كانت لم تنته إلى القضاء بالبراءة، وكانت المحكمة قد بررت رفض الاستجابة لهذا الطلب بسبق سماع الشهود أمام هيئة سابقة وقيام الدفاع بمناقشتهم، فإن ذلك لا يسوغ لرفضها إجابة الطلب المذكور، لما هو مقرر من أن حق الدفاع الذي يتمتع به المتهم يخوله إبداء ما يعن له من طلبات التحقيق، ما دام باب المرافعة مازال مفتوحاً – وهو الحال في هذه الدعوى – وإن التحقيقات التي جرت في جلسة سابقة بمعرفة هيئة أخرى لا تخرج عن كونها من عناصر الدعوى المعروضة على المحكمة، شأنها في ذلك شأن محاضر التحقيق الأولية. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد رفضت طلب سماع شهود الإثبات بما لا يسوغه فإن حكمها يكون مشوباً بالإخلال بحق الدفاع بما يوجب نقضه".
ومظاهر مبدأ المواجهة هي العلم والاطلاع والمناقشة الحضورية حيث إن المواد ۷، ۲۷، ۳۰ من قانون التحكيم تخول للطرف الآخر الحق في العلم بما يقدم ضده من طلبات وبما يتخذ ضده من إجراءات وحق كل خصم في العلم بمواعيد الجلسات قبل انعقادها بوقت كاف "م ۲/۲۳ من قانون التحكيم". والمادة 1/36 تقرر أنه حال استعانة هيئة التحكيم برأى خبير معين فإنها ترسل إلى كل من الطرفين صورة من قرارها بتحديد المهمة المسندة إليه. وبمجرد إيداع الخبير لتقريره فإن هيئة التحكيم ترسل صورة منه إلى كل من الطرفين مع إتاحة الفرصة له لإبداء رأيه فيه وحق كل خصم في استلام صورة من محضر الجلسة "م ٢/٢٣ من قانون التحكيم".
وقضت محكمة النقض بأن "المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن حق الدفاع يقتضي أول ما يقتضي احترام مبدأ المواجهة الذي يستلزم تمكين الخصوم من الإلمام بما يبدى ضدهم وتمكين من الدفاع في شأنه ولا يقتصر هذا الحق على منع الخصوم من إبداء دفاع في غيبة الخصم الآخر وإنما يقوم في جوهره على وجوب عدم بناء الحكم على وقائع أو مستندات لم تعط الفرصة للخصوم في مناقشتها ويستلزم إعطاء الفرصة لكل طرف في الخصومة ليعرف ما هو منسوب إليه ومناقشتها فلا يجوز أن يفاجأ بأمور لم يطلب منه الدفاع فيه".
حق الدفاع: يعتبر حق الدفاع من الحقوق الدستورية التي نص عليها مختلف الدساتير، وقضت محكمة النقض بأن حق الدفاع من الحقوق التي كفلها الدستور في المادة منه باعتباره ضمانة لا يمكن فصلها عن حق التقاضي والمحاكمة المنصفة باعتباره الكافل للخصومة القضائية عدالتها إذ يكافئ بين فرص الخصوم في مجال إثبات الوقائع ونفيها استظهاراً لحقائقها، ويترتب على الإخلال بهذا الحق بطلان العمل".