الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / الشرط الشكلى - الكتابة / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 33 / شرط الشكل الكتابي لاتفاق التحكيم الالكتروني دراسة مقارنة في القانون السوداني وبعض التشريعات العربية

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 33
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    207

التفاصيل طباعة نسخ

موجز الدراسة:

    يتطلب القانون السوداني في المادة (8) من قانون التحكيم لسنة 2005م، وكذلك التشريعات العربية الأخرى، أن يكون هناك محرر كتابي بين أطراف المنازعة يتضمن شرطاً واضحاً بإحالة نزاعهم إلى التحكيم، وإلا كان الاتفاق باطلاً، ولما كانت الوسيلة الالكترونية هي الطابع المميـز للتحكيم الالكتروني عن التحكيم في صورته التقليدية، فما هو الأثر الناتج من اشـتراط المـشرع الكتابة لانعقاد اتفاق التحكيم؟ وهل يعتد بالكتابة الالكترونية لاتفاق التحكيم؟ هذا ما سوف تتناولـه الدراسة بالشرح والتحليل.

المقدمة:

   كان لظهور المعطيات القانونية الجديدة من علاقات تعاقدية لا يتم إبرامها في نطاق مكـاني محدد تأثير واسع تمثل في أهمية تبني وسائل تسوية للمنازعات تتناسب مـع تلـك المعطيـات فالحاجة إلى تبني قواعد قانونية جديدة تتلاءم مع هذا النوع من المعاملات القانونيـة أصـبحت ضرورة مادامت القواعد القانونية المتاحة وجدت واستقرت لتحمي معاملات تبرم وتنفذ مادياً، ما يجعلها عاجزة تماماً عن أن تمتد بحكمها لتشمل معاملات سمتها الأساسية أنها الكترونيـة تبـرم وتنفذ الكترونياً، ولذلك فكما وجدت قوانين التجارة الالكترونية والمعاملات الالكترونيـة مكانتهـا بين تشريعات العديد من الدول وجدت إلى جانبها قواعـد إجرائيـة تحفـظ لأطـراف التعامـل الالكتروني حقوقهم الناشئة عنه وتعمل على فض المنازعات بينهم، وهي قواعد تـلاءم الطبيعـة الخاصة للوسط الذي يتم التعامل الإلكتروني فيه من حيث أنه بيئة الكترونيـة تتجـاوز الحـدود الإقليمية للدول، وغالبا ما يكون الطرفان موجودان في دولتين مختلفتين، وهي بذلك تبعـد هـذا النوع من التعامل، وبالتالي هذا النوع من النزاع عن تعقيدات اللجوء إلى القضاء، ومـا يتطلبـه من وقت وجهد ومال في عملية طويلة من رفع الأمر إلى المحكمة وتحديد اختصاصها والقـانون الواجب التطبيق، واستدعاء أحد الطرفين إلى المكان الذي يجري فيه التقاضي مهما كان موقعه، ولذلك بات منطقياً اللجوء إلى الوسائل البديلة، ومن بينها التحكيم الذي يتم تطويعـه مـن شـكله التقليدي إلى صيغة جديدة تنسجم مع خصوصية التعامل الإلكتروني وخصوصية الوسيلة التي يتم في إطارها. فإذا كان الوسط الإلكتروني المتمثل في شبكة الانترنت هو الوسيلة التـي تـستخدم لإبرام التعامل الإلكتروني وتنفيذه، فإن فض أي نزاع ينشأ عن هذا التعامـل ينبغـي أن يحكـم بالمنطق ذاته من حيث الوسيلة والوسط. وهكذا ظهر التحكيم الالكتروني بصورة جديدة متطـورة عن التحكيم في شكله الكلاسيكي ومنسجمة مع خصوصية التعامل والنزاع في البيئة الالكترونية، والذي أثبت فعاليته في مجال التجارة الالكترونية. إن أهميـة التحكيم الالكترونـي كموضـوع يستحق الدراسة والتمعن ينطلق مباشرة من الانحسار الواسع الذي يتم علـى كافـة المـستويات التقليدية إلى المستويات الالكترونية، وانتقال التجارة الدوليـة بمكانتهـا الجوهريـة فـي التقـدم الاقتصادي لأي دولة إلى فضاء الانترنت الفسيح بما يصاحب ذلك مـن ارتقـاء قـدرة الدولـة التجارية وارتفاع مداخليها على مستويات زمنية ومكانية، ويستند التحكيم في جوهره إلى اتفـاق و التحكيم المستمد من إرادة الأطراف بإحالة نزاعاتهم على التحكيم بديلاً من اللجوء الـى القـضاء النظامي. وإذا كان اتفاق التحكيم (شرطاً أو مشارطة) بما يتضمنه مـن شـروط موضـوعية (الرضا والمحل والسبب) هو دستور التحكيم، ومصدر سلطات المحكمين، والأساس الذي يقـوم عليه نظام التحكيم برمته، فإن الشرط الشكلي المتمثل بكتابة هذا الاتفاق والتوقيع عليـه يـزداد أهمية، إذ بدون الكتابة يفقد التحكيم كل مقوماته ومبررات وجوده، كما ويسترد أطراف العلاقـة التعاقدية حق اللجوء إلى قضاء الدولة نفض نزاعاتهم، وقد ورد شـرط كتابـة اتفـاق التحكـيم صريحاً في نص المادة (8) من قانون التحكيم السنة 2005م، والقانون المقـارن، وذلـك بـأن يكون هناك محرر كتابي بين أطراف المنازعة يتضمن شرطاً واضحاً بإحالـة نـزاعهم إلـى التحكيم، وإلا كان الاتفاق باطلاً لا يرتب أي أثر، ويتم التحكيم باتفـاق خطـي بـيـن الفـريقين المتنازعين.

أهمية البحث:

   إن التقدم الذي ساد العالم في المجال الالكتروني وجعله كقرية صغيرة من خـلال الـشبكة العنكبوتية "الانترنت" وما تبعه من تنمية معلوماتية وقدرات ومهارات ذهنية فائقة، عبر التجـارة الدولية إلى التجارة الالكترونية الدولية التي تقوم على سرعة في إبرام العقود وتنفيذها. نتجت من ذلك إثارة الكثير من التساؤلات المتعلقة بالمعاملات الالكترونية وكيفية حل منازعاتها، وبرز دور التحكيم الالكتروني، كحل جذري لحل كل المنازعات الالكترونية.

مشكلة البحث:

   تكمن مشكلة البحث فـي أن التحكـيم أصـبح إحـدى الوسـائل البديلـة مـن القـضاء لتسوية المنازعات التجارية، بالرغم من وجود المحكمة الالكترونيـة، وبصفة خاصـة، بعـد أن شاع اللجوء إليه في العقود الدولية بشكل خاص، بحيث يندر أن نجد عقداً دوليـاً لا يتـضمن شرط التحكيم لتسوية المنازعات والخلافات الناشئة عن العقد أو التي يحتمل أن تنشأ عـن هـذا العقد .

المبحث الأول: كتابة اتفاق التحكيم:

    نتناول في ما يأتي مفهوم وطبيعة كتابة شرط التحكيم، ثم نتكلم عن صـور كتابـة اتفـاق التحكيم في مطلبين متتاليين.

المطلب الأول

مفهوم وطبيعة كتابة اتفاق التحكيم

الفرع الأول: الأساس التشريعي للكتابة

   في السودان: تنص المادة (8) من قانون التحكيم السوداني لسنة 2005م على "أنه يجـب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً، وإلا كان باطلاً، وتكون في حكم الكتابـة الرسـائل المتبادلـة بـين الطرفين عبر وسائل الاتصال المختلفة". وفي دولة الإمارات العربية المتحدة: تنص المادة (203) من قانون الإجراءات المدنية الإماراتي على:

   1- يجوز للمتعاقدين بصفة عامة أن يشترطوا في العقد الأساسي أو باتفاق لاحق عرض ما قد ينشأ بينهم من النزاع في تنفيذ عقد معين على محكم أو أكثر، كما يجوز الإتفاق على التحكيم في نزاع معين بشروط خاصة.

   2- ولا يثبت الاتفاق على التحكيم إلا بالكتابة.

   3- ويجب أن يحدد موضوع النزاع في وثيقة التحكيم أو أثناء نظر الدعوى، ولـو كـان المحكمون مفوضين بالصلح، وإلا كان التحكيم باطلاً.

   4- ولا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح ولا يصح الاتفاق على التحكيم إلا ممن له أهلية التصرف في الحق محل النزاع.

   5- وإذا إتفق الخصوم على التحكيم في نزاع ما فلا يجوز رفع الدعوى به أمـام القـضاء، ومع ذلك إذا لجأ أحد الطرفين إلى رفع الدعوى دون إعتـداد بـشرط التحكيم، ولـم يعترض الطرف الآخر في الجلسة الأولى، جاز نظر الدعوى، واعتبر شرط التحكـيم لاغياً.

وفي قانون التحكيم في سلطنة عمان لسنة 1997 تنص المادة 12 منه علـى يجـب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً، وإلا كان باطلاً، ويكون اتفاق التحكيم مكتوبـاً إذا تـضمنه محرر وقعه الطرفان أو إذا تضمن ما تبادله الطرفان من رسائل أو برقيات أو غيرهـا من رسائل الاتصال المكتوبة."

وتنص اتفاقية نيويورك المتعلقة بتنفيذ أحكام المحكمين لعام 1958 على شرط الكتابـة، حيث تتطلب هذه الاتفاقية الكتابة كشرط حتى يكون اتفاق التحكيم صحيحاً، وذلك فـي الفقرة الأولى من المادة الثانية، وقد غرف الاتفاق المكتوب في الفقرة الثانية مـن ذات المادة بأنه: "يشمل اصطلاح "اتفاق مكتوب" أي شرط تحكيم يرد في عقد أو أي اتفـاق تحكيم موقع عليه من الطرفين أو وارد في وسائل أو برقيات متبادلة"، وأيضاً اتفاقيـة (بروتوكول) جنيف المتعلقة بالتحكيم التجاري الدولي لعام 1961، وبالرغم من أن هذه الاتفاقية لم تنص صراحة على كتابة اتفاق التحكيم، إلا أنها تفتـرض الكتابـة كـشرط لاتفاق التحكيم في الفقرة الأولى من المادة الثانية، وقررت في ذات المادة أن العلاقـات بين الدول التي لا تفرض قوانينها توافر شكلية معينة في اتفاق التحكيم يعتبر صـحيحاً كل اتفاق يعقد في الشكل المقرر في تلـك القـوانين ، وكـذلك قـانون الأونيـسترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لعام 1985: حيث تنص المادة السابعة فـي فقرتهـا الثانية على أنه: "يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً ويعتبر الاتفـاق مكتوبـاً إذا ورد في وثيقة موقعة من الطرفين أو في تبادل رسائل أو تلكسات أو برقيات أو غيرها مـن وسائل الاتصال السلكي أو اللاسلكي تكون بمثابة سجل للاتفاق، أو في تبادل المطالبـة والدفاع اللذين يدعي فيهما أحد الطرفين وجود اتفاق ولا ينكره الطرف الآخر، وتعتبـر الإشارة في عقد التحكيم إلى مستند يشتمل على شرط تحكـيم بمثابـة اتفـاق تحكـيم، شريطة أن يكون العقد مكتوباً وأن تكون الإشارة وردت بحيث تجعـل ذلـك الـشرط جزءاً من العقد". وعلى ذلك يتبين من خلال عرض النصوص المتقدمة فـي القـانـون المقارن والاتفاقيات والقوانين الدولية أن الكتابة شرط يتطلبه اتفاق التحكيم أيـا كانـت صفته – محلياً أو دولياً-، أو أيا كانت صورته –شرطاً أو مشارطة-، وبالتالي تعتبـر الكتابة شرطاً شكلياً لازماً لوجود اتفاق التحكيم في ذاته، وهي لازمة ليس فقط لإثبـات وجود الاتفاق على التحكيم، وإنما أيضاً لانعقاده وصحته. وتكمن العلة مـن اشـتراط الكتابة لوجود اتفاق التحكيم إلى حرص التشريعات والقوانين والاتفاقيات الدولية علـى تجنب المنازعات الفرعية حول وجود هذا الاتفاق وحول مضمونه، خاصـة وأن هـذا الاتفاق يترتب عليه أثر سلبي وهو رفع يد قضاء الدولة عن الفصل في النزاع .

الفرع الثاني: مفهوم الكتابة

   لم يستطع العلماء التوصل إلى معرفة كيفية ظهور الكتابة ولا التـاريخ أو العـصـر الـذي ظهرت فيه، ولكن يقرر غالبية العلماء أن الكتابة كانت عبارة عن علامات ورموز توضع علـى ألواح من الطين، ثم تترك لتجف، وأمكنهم استعمالها على الخزف والأواني المصنوعة من الطين، وأما عن مكان ظهور هذه الكتابة فلا يخرج عن بلاد الوطن العربـي دیم، خاصـة مـصر والعراق، وذلك نظرا إلى نظام الإدارة المركزية الذي ظهر في مصر ونظام سيطرة المعابد الذي ظهر في العراق، هذان النظامان يتطلبان معرفة أنواع المحاصيل وكمياتهـا وإجـراء بعـض العمليات الحسابية، فهذا أدى إلى ابتداع نوع خاص من الكتابة البدائية، هي عبارة عن إشـارات وخطوط ورسوم تؤدي دوراً مهماً في هذه الحياة، ومع هذه المعاملات الموجودة آنذاك "فالحاجـة أم الاختراع"، فظهرت الكتابة في البداية على شكل رموز أو صور تدل كل صـورة أو رمـز على لفظ معين وبلغ عددها خمسمائة رمز في مصر وثلاثمائة في بلاد ما بين النهرين، وتوالى ظهور المدونات القانونية مثل مدونة حمورابي وبوكخريس وغيرها، وعند ما وجد الإنسان الأول نفسه غير قادر على التعايش والتفاهم مع الآخرين اخترع الكتابة لحفظ تراثه الفكـري والثقـافي والعلمي من الاندثار وليبقى تتوارثه الأجيال المتلاحقة، وتطورت وتنوعت مـن حـضارة الـى أخرى. تلك هي الصورة التقليدية للكتابة التي نظمها قانون الإثبات والتي لها حجية في الإثبـات، وإضافة إلى ذلك اعتبر المشرع أن تكون للرسائل الموقع عليها حجية المستندات العادية، وتكون للبرقيات تلك الحجية إذا كان أصلها المودع بمكتب الإرسال موقعاً عليه من مرسـلها، وتعتبـر البرقية مطابقة لأصلها حتى يقوم الدليل على عكس ذلك.13 ولم يشترط قانون التحكيم الـسوداني لسنة 2005م م شكلاً لكتابة اتفاق التحكيم أو إفراغه في شكل رسمي أو أن يتم التصديق علـى توقيع طرفي الاتفاق من قبل موظف عام، فيجوز أن تكون الكتابة محررات عرفية موقع عليهـا من الطرفين، وبالشكل الذي يتفقان عليه، بالإضافة إلى إجازته الكتابـة بالوسـائل الالكترونيـة الحديثة والتي أضفى عليها حجية في الإثبات تضاهي الدعائم الورقية، وذلك ضمن شروط معينة - كما سيأتي-. كذلك لم يشترط قانون التحكيم العماني لسنة 1997م توقيع الطرفين على شـرط التحكيم بصفة خاصة، إذ يكفي التوقيع على الوثيقة المتضمنة شرط التحكيم حتـى ولـو كانـت مطبوعة أو وثيقة مرفقة بالعقد الأصلي الموقع عليه.

الفرع الثالث: طبيعة الكتابة

   إذا كان الأصل هو رضائية التصرفات فتكون الكتابة بالنسبة لها للإثبات، وقد يستلزم النظام بأن يرد التصرف مكتوباً، وتكون الكتابة هنا لازمة لانعقاد التصرف لا لإثباتـه، سـواء كانـت رسمية مثل عقد الهبة العقارية أو عرفية كعقد الشركة، والكتابة في هذه الصور للانعقاد، وليست للإثبات، فهي تندمج في التصرف وتصبح ركناً من أركانه، وتكون الكتابة أيضاً لازمة استكمالاً لشكل طلبه النظام أو الخصوم مثل شهر التصرفات القانونية التي يتطلب النظام الإعـلان عنهـا سواء بالتسجيل للتصرفات المتعلقة بحق من الحقوق العينية الأصلية العقارية مثل العقـار، أو القيد للتصرفات المتعلقة بحق من الحقوق العينية التبعية العقارية مثل الرهن، وإذا تطلب النظـام الكتابة في تصرف من التصرفات ولم يصرح بما أراده من الكتابة، هل هي للانعقاد أم للإثبات، فتكون الكتابة للإثبات وليست للانعقاد، وذلك إعمالاً للأصل وهو رضائية التصرفات والاسـتثناء هو شكليتها ويقصد بالدليل الكتابي المحرر الذي يثبت التصرفات سواء كانت ورقـة رسـمية أو عادية موقعاً عليها، ولا تدخل في ذلك الرسائل والأوراق والسندات والمستندات غير الموقعة ممن نسبت إليه، ولا تعد من الأدلة الكاملة ويجوز إثبات ما يخالف ما اشتملت عليـه هـذه الأوراق بالطرق كافة، والورقة الرسمية هي تلك الورقة التي يثبت فيها موظف عام أو شـخص مكلـف بخدمة عامة ما تم على يديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن طبقاً للأوضاع القانونيـة، وفـي حـدود سلطته واختصاصه، ولا يقبل الطعن في الأوراق الرسمية اذا توافرت فيها الشروط السابقة، إلا بادعاء التزوير، ما لم يكن ما هو مذكور فيها مخالفاً للشرع، والورقة العادية هي التـي تكـون موقعة بامضاء من صدرت منه أو ختمه أو بصمته أو وكيله في حدود وكالته. وقد اختلف الفقـة القانوني والتشريعات المقارنة برمتها بين قائل بكون الكتابة شرط إثبات وبين قائل بكونها شـرط انعقاد، وهناك رأي ثالث يذهب إلى عدم أهمية التفرقة بين اعتبارها شرط انعقاد أو شرط إثبـات في الحياة العملية. ونجد أن النصوص القانونية في التشريعات المقارنة قد جعلت الكتابة شـرطاً للانعقاد وليست شرطاً للإثبات، بحيث لا يجوز إثبات الاتفاق على التحكيم إلا بالكتابـة، وقيـام المشرع في القانون المقارن بترتيب البطلان على تخلف هذا الشرط الشكلي، إضافة إلى استقرار القضاء على ضرورة الكتابة. والمشرع السوداني في قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م أهتم بالكتابة كوسيلة من وسائل التعبير عن الإرادة، كما أنه اشترطها ووضـعها كقيـد مـن القيـود للمتعاقدين عند إبرام بعض العقود، ورتب على ذلك آثاراً لصحة العقد أو بطلانه، حيث نصت المادة (2/91) من القانون المدني على أنه" يكون العقد باطلاً إذا اشترط القانون كتابته ولم يكتب وقت انعقاده، على أنه إذا كتب في ما بعد يسري أثره من تاريخ كتابته"، فالعقـد الـذي اشـترط المشرع كتابته فإن الكتابة تصبح قيدا ملزماً لإرادة الطرفين، فإذا لم يكتب جعل المشرع الأثـر المترتب عليه البطلان، حيث نص في الفقرة التي تليها مباشرة من نفس المادة بأن العقد الباطـل "لا ينعقد ولا يترتب عليه أي اثر ولا ترد عليه الإجازة"، وجعل المشرع للمحكمة سلطة أبطـال العقد من تلقاء نفسها، بالإضافة إلى الأطراف حيث نص في المادة (1/92) من نفس القانون بأنه "لكل ذي مصلحة أن يتمسك بالبطلان والمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها على أن لا تسمع دعوى بالبطلان بعد مضي عشر سنوات من وقت انعقاد العقد". في حين أنها شرط إثبـات فـي قانون، وبالتالي فإن الاتفاق الشفوي صحيح في قانون الإمارات، ولكن لا يجوز إثباته إلا كتابـة. وحسب القواعد العامة في الإثبات في دولة الإمارات، فإنه يجوز الإثبات بشهادة الشهود، فيما كان يجب إثباته بالكتابة في عدة حالات نصت عليها المادة (37) من قانون الإثبات الاتحادي، ولكننا نری عدم تطبيق هذه القاعدة العامة على الإثبات في اتفاق التحكيم للعديد من الأسباب: الأول- ما جرى عليه العرف التحكيمي والتطبيق العملي سواء في التحكيم الداخلي أو الدولي من أن كافـة اتفاقيات التحكيم، وبشكل خاص التجارية منها، تكون كتابة إلا في الحـالات النـادرة، علمـاً أن العرف هو المصدر الأول بعد التشريع في المعاملات التجارية. الثاني - أن العديد من نـصوص قانون الإجراءات المدنية أشارت إلى وثيقة التحكيم، مما يعني أنه يجب أن تكون هناك وثيقـة أي مستند خطي يثبت الاتفاق على التحكيم. الثالث- أن المـادة (5/212) مـن القـانون المـذكور، اشترطت في حكم التحكيم أن يتضمن صورة من الاتفاق على التحكيم. وتطبيقاً لهذا النص، ذهبت محكمة تمييز دبي في حكم حديث لها، إلى أن عدم التقيد بهذا الشرط يؤدي إلى بطلان الحكم.

المطلب الثاني: صورة الكتابة

   تناول قانون التحكيم لسنة 2005م، والقانون المقارن، صور كتابة اتفاق التحكيم وعالجها بـصورة موسعة تتفق مع المعايير الواردة في الاتفاقيات والقوانين الدولية، فتعالج هذه الصور، كما يأتي:

الصورة الأولى: اتفاق التحكيم المكتوب قبل نشوء النزاع (شرط التحكيم):

    هذه هي الطريقة التقليدية للكتابة القائمة على الدعائم الورقية، وتسمى مستنداً بتعبير المـشرع الأردني مادة (10/أ)، أو محرر بتعبير المشرع المصري مادة (12) -المشار إليها- ويجب التفرقة بين حالتين في هذه الصورة، الأولى أن يرد شرط التحكيم في العقد الأصلي، فـالأولى- أن يـرد شرط التحكيم في العقد الأصلي: هذه الصورة الغالبة في الحياة العملية، وفيها يتم إدراج كتابة شرط التحكيم ضمن بنود العقد الموقع بين الطرفين، ومثال ذلك أن ينص العقد في أحد بنوده على أن كل نزاع ينشأ (مستقبلاً) بين الطرفين بشأن تنفيذ العقد أو أي من بنوده يحال إلى التحكيم. فـيلاحظ أن شرط التحكيم ينصب على نزاع قد يقع مستقبلاً، وقد لا يقع، فإذا حدث مثل هذا النزاع فإن الـشرط الوارد في العقد يكفي لإحالته على التحكيم. وقد نصت على ذلك المادة 2/10 من قـانون التحكـيم العماني بقولها" يجوز أن يقع التحكيم في شكل شرط تحكيم سابق على قيام النزاع يرد في عقد معين أو في شكل اتفاق منفصل يبرم بعد قيام النزاع، ولو كانت قد أقيمت بشأنه دعوى أمام جهة قضائية، وفي هذه الحالة يجب أن يحدد الإتفاق المسائل التي يشملها التحكيم، وإلا كان الاتفاق باطلاً". وكذلك نصت المادة 203 من قانون الإجراءات المدنية الاماراتي على "يجوز للمتعاقدين بصفة عامـة أن يشترطوا في العقد الأساسي أو بإتفاق لاحق عرض ما قد ينشأ بينهم من النزاع في تنفيذ عقد معين على محكم أو أكثر، كما يجوز الإتفاق على التحكيم في نزاع معين بشروط خاصة". والثانيـة- أن يرد شرط التحكيم في وثيقة مستقلة: يجيز المشرع الاتفاق على التحكيم بعد إبرام العقد بين الطرفين المتعاقدين وقبل نشوء النزاع، ومثال هذه الصورة إبرام العقد الأصـلي دون أن يتضمن شـرط التحكيم، فيجوز بعد ذلك قيام الطرفين بالتوقيع على ملحق أو اتفاق منفصل يتضمن أن الخلافـات التي قد تنشأ عن العقد يتم الفصل فيها عن طريق التحكيم. ويجب ملاحظة أن الكتابة لازمـة فـي الحالتين السابقتين بالنسبة لشرط التحكيم دون العقد الأصلي، بحيث أنه إذا أجاز القانون في بعـض الحالات إبرام العقد شفوياً تطبيقاً لمبدأ الرضائية في العقود ووسائل إثباته.

استقلالية شرط التحكيم عن العقد الذي يتضمنه:

   تقضي القواعد العامة في القانون المدني الأردني أنه إذا تم إبطال العقـد أو فسخه لأي سبب من الأسباب التي تلحق به، فإن ذلك يسري على كافة بنود العقد دون استثناء ولا يرتب أي أثر من آثاره القانونية، فإذا تم فسخ عقد يحتوي على شرط تحكيم بسبب يتصل بـشروط العقـد الأساسية مثلاً، فإن ذلك ينسحب على شرط التحكيم فلا يجوز الاعتداد به على الرغم من صحته. ذلك فقد خرج المشرع على حكم هذه القاعدة في قانون التحكيم، وأعتبر أن شرط التحكـيم يعتبر مستقلاً عن شروط العقد الأخرى، ويظل صحيحاً ومنتجاً لآثاره القانونية، بالرغم من بطلان العقد الأصلي، حيث نص في المادة (22) من قانون التحكيم الأردني: "يعد شرط التحكيم اتفاق مستقلاً عن شروط العقد الأخرى، ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر علـى شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته"، وبالاستناد إلى النص أيضاً فإن العكس صحيح، بمعنى أن بطلان شرط التحكيم بسبب عدم الكتابة أو كان مكتوباً، ولكنه متعلـق بمسائل لا يجوز فيها التحكيم، فإن ذلك لا يؤثر في بقاء العقد الأصلي صحيحاً ومنتجاً لكافة آثاره القانونية." ويخضع اتفاق التحكيم في كافة صور الكتابة لمبدأ نسبة نسبية العقـود، فـلا يجـوز الاحتجاج بشرط التحكيم إلا في مواجهة الطرف الذي ارتضاه، وبالتالي، لا يسري في مواجهـة الغير الذي لم يكن طرفا في عقد التحكيم باستثناء الخلف العام والخاص

الصورة الثانية: الرسائل المتبادلة والبرقيات والفاكس والتلكس:

   أورد قانون التحكيم لسنة 2005 بعض صور الكتابة التي يعتد بها في الإثبات، وذلك علـى سبيل المثال لا الحصر، مثل المسائل المتبادلة والبرقيات والفاكس والتلكس وغيرها من وسـائل الاتصال، ومثال الاتفاق الكتابي في هذه الصور أن يرد في المراسلات المتبادلـة بـيـن طـرفين إيجاب من أحدهما باللجوء الى التحكيم، وقبول من الطرف الآخر بوسائل الاتصال المذكورة، فيعتبر الإيجاب والقبول شرطاً كتابياً باللجوء الى التحكيم. وأيضاً لم يشترط القانون تبادل الرسائل وقبول عرض التحكيم بذات وسيلة الاتصال، مثال ذلك أن يرسل (أ) إلـى (ب) رسـالة عاديـة تتضمن إيجاباً باللجوء الى التحكيم، فيرد (ب) بقبوله التحكيم من خلال برقية أو فاكس أو تلك أو غير ذلك من وسائل الاتصال المكتوبة.

الصورة الثالثة: الدعائم الالكترونية:

    أجاز المشرع الأردني، بالإضافة إلى الكتابة على الدعائم الورقية، كتابـة اتفـاق التحك بالاستناد إلى الدعائم الالكترونية الذي يستند إلى وسائل الاتصال الحديثة، مثل البريد الالكتروني في الحاسوب ورسائل الهاتف المحمول، وغيرها من الوسائل التي قد تظهر مستقبلاً، والتي تعـد بمثابة سجل للاتفاق وفق أحكام المادة السابق عرضها، ولكن يشترط في هذه الوسائل التـي ذكرناها أن يصدر قبول الطرف الآخر، وأن يتصل هذا القبول بعلم الطرف الأول، أما الـسكوت فيمكن اعتباره قبولاً إذا كانت هناك معاملات جارية بين الطرفين، وكان التحكيم شرطاً فيهـا، أو أن يتعلق الأمر بتجديد عقد يتضمن في أحد بنوده شرط التحكيم. ويثير موضوع كتابـة اتفـاق التحكيم بالوسائل الالكترونية مشاكل عديدة تتعلق بالتحكيم الالكتروني من حيث الكتابة والتوقيـع الالكتروني اللازمين لاتفاق التحكيم، ومدى تحقق شرط الكتابة بهذه الوسـائل المـذكورة، ولـذا سنعالج هذه المواضيع، وما يتصل بها في المبحث الثاني من هذا البحث تفصيلاً.

الصورة الرابعة: الإحالة في العقد:

    تحدث المشرع العماني أيضاً عن الإحالة في العقد إلى التحكيم وفق نـص المـادة (3/10) تحكيم عماني -المشار إليها-، والتي تنص: (يعتبر اتفاقا على التحكيم كل إحالة ترد في العقد إلى وثيقة تتضمن شرط تحكيم إذا كانت الإحالة واضحة في إعتبار هذا الشرط جزءا مـن العقـد)، وهذان النصان يتفقان مع ما ورد في المادة (2/2) من اتفاقية نيويورك، والمادة (7/2) من قانون اليونسترال النموذجي، ووفقا للنص يجيز القانون للمتعاقدين الاتفاق على التحكيم بالإحالة، سـواء تعلق الأمر بالتحكيم الدولي أو التحكيم الوطني. ويعني مفهوم التحكيم بالإحالة أن العقد الأصـلي بين الطرفين لم يدرج فيه شرط تحكيم – بالمفهوم الذي تكلمنا عنه- وإنما يتضمن العقد شـرطا يقضي بالإحالة إلى عقد نموذجي أو اتفاقية دولية أو مؤسسة تحكيم أو أية وثيقة أخرى تتـضمن شرط التحكيم، وتكثر هذه الصورة في عقود الشحن بالسفن أو الطائرات أو عقود التأمين.

الصورة الخامسة: اتفاق التحكيم أثناء نظر النزاع من قبل المحكمة (مشارطة التحكيم):

    بموجب المادة (3/10) من قانون التحكيم العماني - المشار إليها، تقابلها المـادة (21/203) من قانون الإجراءات المدنية الإماراتي والمادة 8 من قانون التحكيم السوداني لسنة 2005م، التي تنص على "يجوز أن يقع التحكيم في شكل شرط تحكيم سابق على قيام النزاع يرد في عقد معين أو في شكل اتفاق منفصل يبرم بعد قيام النزاع، ولو كانت قد أقيمت بشأنه دعـوى أمـام جـهـة قضائية، وفي هذه الحالة يجب أن يحدد الإتفاق المسائل التي يشملها التحكيم، وإلا كـان الإتفـاق باطلاً. ويقصد بمشارطة التحكيم أو وثيقة التحكيم الاتفاق على التحكيم الذي يتم بين الأطراف في علاقة قانونية بعد قيام النزاع بينهم عن هذه العلاقة، فالتفرقة بـين مـشارطة التحكـيم وشـرط التحكيم، هو أن المشارطة تتم بعد نشوء النزاع فعلاً، وتتضمن الموضوعات التي تطـرح علـى التحكيم بشكل دقيق وتفصيلي، وبعبارة أخرى فإن مشارطة التحكيم تواجه نزاعـاً حـالاً وقائمـاً وموجوداً، عكس شرط التحكيم الذي يواجه نزاعاً محتملاً قد يقع وقد لا يقع في المستقبل، أي أن شرط التحكيم يقرر مبدأ اللجوء إلى التحكيم لحسم ما قد ينشأ من نزاع، وعلى ذلك فـإن ســبب مشارطة التحكيم هو النزاع الناشئ بين الأطراف، أما محلها فهو المسائل التي يشملها التحكيم، ويتضح من خلال النص المعروض أن القانون يجيز اللجوء الى التحكيم حتى بعد وقوع النـزاع ونظره ه من قبل المحكمة، ويتخذ إحدى صورتين: إما أن تتم كتابة وثيقة بين الأطـراف تتـضمن رغبتهم في عرض النزاع على التحكيم، ومن ثم تقديمها الى المحكمة التي تنظر في النزاع، وفي هذه الحالة تقرر المحكمة إحالة النزاع الى التحكيم. وإما أن يتفق الأطراف أمام القاضـي علـى رغبتهم في إحالة نزاعهم على التحكيم، وفي هذه الحالة يتم تدوين الاتفاق على محضر المحاكمة بكافة تفاصيله وبياناته، وتصدر المحكمة قراراً يقضي بإحالة النزاع على التحكيم، وقـد اعتبـر القانون قرار المحكمة بمثابة اتفاق مكتوب. وهناك بيانات تحتويها عادة مشارطة التحكيم منهـا: تحديد المسائل المتنازع عليها التي يتم عرضها على التحكيم بشكل دقيق وتفصيلي، الاتفاق علـى عدد المحكمين وأسمائهم وعناوينهم، القانون الإجرائي والموضوعي الواجب التطبيق على النزاع، مكان التحكيم ولغته، تحديد المدة التي ينتهي فيها التحكيم، سلطة المحكمين في إصـدار الأوامـر الوقتية. ويتم التوقيع من كلا الطرفين على هذه الوثيقة الخطية قبل تقديمها للمحكمة التي تنظـر النزاع، أو تسجيلها على محضر المحاكمة، وتطبيقاً لذلك قضت محكمة تمييز دبي بأنه لا يجوز الدفع بالإحالة إلى المحكم لقيام ذات النزاع أو نزاع آخر مرتبط به أمامه، لأن الإحالة لا تجوز، إلا بين المحاكم في نطاق الجهة القضائية الواحدة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، ولذا فـإن وقوف الحكم المطعون فيه عند حد القضاء بعدم قبول الدعوى للاتفاق على التحكيم دون إحالـة الدعوى إلى المحكم يكون صحيحاً، ويجب ملاحظة أن النزاع إذا أحيل إلى التحكيم، فلا يجـوز لأي من الطرفين الرجوع فيه منفرداً.

المبحث الثاني: شرط كتابة اتفاق التحكيم الإلكتروني

    العالم يشهد وبشكل كبير تطوراً سريعاً ومتسارعاً في تكنولوجيا الاتصالات حتـى أصـبح الانترنت الوسيلة المثلى والتي لا يمكن الاستغناء عنها في الاتصال ونقل المعلومـات وتقـديمها، ويرجع كل ذلك الى التقدم العلمي الهائل في شبكة الاتصالات، ونتيجة لهذه التطورات التكنولوجية سواء كان ذلك في وسائل الاتصال أو أجهزة الكومبيوتر وتدفق المعلومـات. ظهـرت التجـارة الالكترونية كواحدة من روافد ثورة المعلومات، وكان ذلك أيضاً بفضل شبكة الانترنـت التـي وصلت الي جميع أنحاء العالم وغدت العامود الفقري في الـدول فـي المجـالات الاقتصادية والعلاقات المالية، وعقد الصفقات وإبرام العقود الكترونياً. وفي هذا العصر الذي انتشرت فيـه شبكة الانترنت انتشاراً سريعاً شاع مصطلح التجارة الالكترونية والتي تتمتع بعدد كبير من المزايا والخصائص، وتتضمن التجارة الالكترونية معالجة حركات البيـع والـشراء والإيجـار للـسلع والخدمات وتحويل الأموال الكترونياً عبر شبكة الانترنت، ومن أهم ما يميز التجارة الالكترونيـة عن التجارة التقليدية أو ما يجعل لها خصوصية عن التجارة بمفهومها التقليدي هو الوسيلة التـي تنعقد بها، حيث نجد أنها تتم من خلال وسيلة الكترونية تستخدم فيها وسائل الاتصال الحديثـة، وعلى رأسها شبكة الانترنت. ومن أهم معوقات التجارة الالكترونية تخلف الآليـات القانونيـة التقليدية عن التعامل معها، وذلك لأن التجارة الالكترونية لا تعتمد على الوسائل التقليديـة حيـث تسلم المنتجات والخدمات الكترونياً، كما يتم الدفع بالوسائل الحديثة مثل النقـود الالكترونيـة أو النقود الرقمية، مما اقتضى تدخل المشرع لوضع الإطار القانوني الـذي يـنظم هـذه التجـارة الإلكترونية، فصدرت العديد من التشريعات منها: قانون المعاملات الالكترونية التونسي لعـام 2001، قانون المعاملات الاكترونية السوداني لعام 2007، وقانون اليونسترال النموذجي بـشأن التجارة الإلكترونية لعام 1996م، واتفاقية الأمم المتحدة بشأن استخدام الخطابات الالكترونية فـي العقود الدولية لعام 2005م. ومع تزايد الاهتمام العالمي بهذه التجارة الالكترونية ظهرت الحاجة إلى التحكيم الالكتروني الذي يتم عبر هذه الوسائل الحديثة للاتصالات. وبالرغم من أن التحكـيم التقليدي الذي يستند إلى الدعائم الورقية يمثل القاعدة العامة للتحكيم، وينتشر على نطاق واسع، إلا أن هذا التحكيم الأخير، لا يستجيب حاجات التجارة الالكترونية وما تتطلبه من التعامل بوسـائل الاتصالات الحديثة التي تستند إلى الدعائم الالكترونية"، وينصرف مفهوم التحكيم الالكتروني إلى أن التحكيم الذي تتم إجراءاته عبر شبكة اتصالات دولية بطريقة سمعية بصرية دون الحاجة الى الحضور المادي لأطراف النزاع والمحكمين في مكان معين. ومن التعريف يتضح أن التحكـيم الالكتروني يتميز عن غيره باستخدام وسائل الاتصال الحديثة التي تعتمد على تقنيـة المعلومـات والاتصالات، والتي تمثلت بشبكة الانترنت حيث أدى استخدام هذه الشبكة بشكل واسع في مجـال المعاملات القانونية، ولاسيما التجارية منها، الى نشوء نوع جديد من المعاملات الالكترونية أو ما يسمى التجارة الالكترونية. لذا ظهر التحكيم الالكتروني صورة جديدة مطورة من التحكيم التقليدي ومتلائمة مع خصوصية التعامل الالكتروني والمنازعات التي تنتج منه، لأنه تحكيم بذات الوسيلة التي يتم بها التعامل الالكتروني وهي الوسيلة الالكترونية. ولما كانت الوسيلة الالكترونيـة هـي الطابع المميز للتحكيم الالكتروني عن غيره. فهل يشترط اتمام عملية التحكيم كاملة عبـر هـذه الوسيلة أم يكفى استخدام وسائل الاتصال الحديثة في مرحلة من مراحله لاعتبـاره الكترونياً وما يعنينا في هذا المقام هو ما يتصل بموضوع البحث (كتابة اتفاق التحكيم الالكتروني)، ولـذلك فإن التحكيم الالكتروني بالصورة المتقدمة يثير تساؤلا على درجة بالغة من الأهمية: ما هو الأثر الناتج من اشتراط المشرع الكتابة لانعقاد اتفاق التحكيم؟ وبمعنـي آخـر، هـل يعتـد بالكتابـة الالكترونية لاتفاق التحكيم؟ وهو ما نحاول الإجابة عنه من خلال بيان مفهومها وشروطها، وذلك في مطلب أول، ثم لا بد من معالجة التوقيع الالكتروني كشرط لازم لـسريان اتفـاق التحكـيم الالكتروني وشروطه في مطلب ثان.

المطلب الأول

مفهوم الكتابة الإلكترونية  وشروطها

الفرع الأول: مفهوم الكتابة الإلكترونية

أولا- تعريف الكتابة الالكترونية:

    الكتابة الالكترونية لا يمكن قبولها إلا إذا كانت تحمل ذات الخصائص المتعلقـة بالكتابـة الخطية التي يمكن حصرها بالنقاط الآتية:

   1- التعبير عن سلطان الإرادة.

   2- العلامة على الرضا.

   3- الكشف أو تحديد هوية الأطراف المتعاقدة.

   لم تورد غالبية التشريعات الدولية والإقليمية التي نظمت الاثبـات الالكترونـي مـا يـحـدد المقصود بالكتابة الالكترونية، وقد قصدت تلك التشريعات من عدم وضع تعريف محـدد للكتابـة استيعاب أي شكل يظهر في المستقبل مع تطور تكنولوجيا التقنيات، فالكتابة الالكترونية تختلـف في طريقة تدوينها عن الكتابة الخطية لاختلاف دعامتها، فنجدها في أشكال متعددة فمنها ما هـو موجود على قاعدة بيانات الحاسب الآلي، ومنها ماهو موجود على شاشته، ومنها ماهو موجـود على الاشرطة بكافة أنواعها والاقراص، لذلك لابد من وجود معيار تعريفي يفصل بين الكتابـة الخطية وبين اشكال الكتابة الالكترونية. وعرف قانون اليونسترال النمـوذجي بـشأن التجـارة ،الالكترونية لسنة 1996م رسالة البيانات بأنها هي المعلومات التي يـتم انشاؤها أو إرسـالها أو استلامها أو تخزينها بوسائل الكترونية أو ضوئية أو بوسائل مشابهة بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر تبادل البيانات الالكترونية أو البريد الالكتروني أو البرقيات والتلكس أو النسخ البرقي"، والبيانات هي "معلومات الكترونية يمكن من خلالها الدخول إلى نتائج محددة فهي عبـارة عـن كلمات أو أرقام أو رموز أو حقائق أو إحصائيات منفصلة عن بعضها، لكن بمجرد وضعها فـي منظومة معينة يمكن معالجتها آلياً والتوصل الى إعطاء النتائج أو المعلومات التي تستفاد منهـا، وهذه البيانات هي التي تشكل الكتابة في لغة الكمبيوتر" وفي التشريعات الدولية فقد وسع المشرع الفرنسي من مفهوم الكتابة أثناء تعريفه الدليل الكتابي بأنه يشمل، إضافة إلي الكتابـة الخطيـة الكتابة الالكترونية، أي شكل آخر يظهر في المستقبل. فقد نصت المـادة (4/1316) علـى "أن الدليل الكتابي أو الدليل بطريق الكتابة تنتج من توالي النصوص أو الأحرف أو الأرقام أو كافـة العلامات الأخرى أو الرموز ذات المعنى المفهوم أياً كانت دعامتها وطرق نقلها"، وكذلك فعل المشرع الأمريكي في القانون الموحد للتجارة الالكترونية لسنة 2001م، حيث وسع مـن مفهـوم الكتابة الالكترونية فعرف المحرر الالكتروني بأنه "كل أصوات أو إشارات أو إجـراءات تـدون وترسل أو تستقبل أو تحفظ على وسائط الكترونية مع شرط التفسير الدقيق وإمكانية الوصول إليها واستعادتها والنسخ منها ممكناً ، ، وفي التشريعات الوطنية أدرك المشرع المصري سلبيات عـدم تحديد مفهوم الكتابة الالكترونية فسارع في إيراد تعريف لها عندما أصدر قانون تنظـيم التوقيـع الالكتروني لسنة 2004م، في المادة الأولى من القانون أنه يقصد بالكتابة الالكترونية "كل حروف أو أرقام أو رموز أو أي علامات أخرى تثبت على دعامة الكترونية أو رقمية أو ضوئية أو أيـة وسيلة أخرى وتعطي دلالة قابلة للإدراك"، ويشير التعريف الى أن الكتابة الالكترونية تتشكل من تسلسل الأحرف الأبجدية أو الأرقام، أما الرموز والعلامات الأخرى فالمقصود بها كافة الطـرق غير الأبجدية التي تعبر عن الفكر كالإشارات المستخدمة في ذاكرة الحاسب الآلـي أو الرمـوز الموجودة على القرص الممغنط، واشترط المشرع أيضاً في الأحرف أو الأرقام أو الرمـوز أن تعطي دلالة قابلة للإدراك، ويقصد بذلك أن تشكل الأحرف أو الأرقام أو الرموز كتابة ذات معنى يفهمها العقل البشري، فصفة الكتابة لا تتوافر دائما في الكتابة القائمة على أحد أشكال الـدعامات الالكترونية، لذلك يجب أن تكون الكتابة ذات فحوى ومدلول، ولم يتطـرق قـانون المعـاملات الالكترونية في الأردن الى تعريف الكتابة الالكترونية بشكل مباشر، وإنما تطـرق إليهـا أثنـاء تعريفه المعلومات بأنها "البيانات والنصوص والصور والأشكال والأصوات والرمـوز وقواعـد البيانات وبرامج الحاسوب، وما شابه ذلك"، وكذلك عرفها قانون الإمـارات العربيـة بـشأن المبادلات والتجارة الالكترونية بأنها "بيانات ومعلومات في شكل نصوص أو رموز أو صـور أو برامج الحاسب الآلي أو غيرها"، وكذلك لم يعرف قانون المعاملات الالكترونية السوداني لـسنة 2007م الكتابة الالكترونية بشكل مباشر.

الفرع الثاني: شروط الكتابة الالكترونية

   يشترط في الكتابة عدة شروط حتى تؤدي وظيفتها القانونية في الاثبات، وهـي أن تكـون مقروءة بحيث تدل على مضمون التصرف أو البيانات المدونة بالمحرر، وأن تكـون مـستمرة، وذلك بتدوين الكتابة على دعائم تحفظها بصورة مستمرة يمكن لأطراف العقد أو أصحاب الـشأن الرجوع إليها عند الضرورة، كما يشترط في الكتابة أيضاً عدم التعديل فـي مـضمونها سـواء بالإضافة أو الحذف، وذلك حتى تتمتع بالثقة والأمان من جانب المتعاقدين فـي مجـال التجـارة الالكترونية.

أولا- أن تكون الكتابة مقروءة:

   يلزم في الكتابة لكي تتمتع بالدليل الكتابي أن تكون واضحة وتسهل قراءتهـا، ولا يشترط كتابتها بشكل معين أو بلغة معينة، كل ما يلزم هو أن تكون واضحة بحيث يمكن فهمهـا وإدراك محتواها فتجوز الكتابة بشفرة خاصة طالما أن الطرفين لديهما مفاتيح هذه الشفرة، وإذا كان هـذا الشرط يتوافر في الكتابة التقليدية مثل الكتابة المدونة على الأوراق فإن البيانات الالكترونية رغم أنها تكون في صورة غير مادية، بل وقد تكون مشفرة، إلا أنها يمكن قراءتها باستخدام الحاسوب، وبالتالي يكون لها قيمة وحجية قانونية في الإثبات متى أمكن فك هذا التشفير، بحيث يصبح فـي صورة بيانات مقروءة بصورة واضحة ويمكن فهمها وإدراكها بالنسبة للإنسان. ولم يعد دليـل الإثبات خاصاً بالكتابة التقليدية فقط، وإنما امتد ليشمل الكتابة الالكترونية التي تتمتع بذات الدقـة والأمان الذي تتمتع به الكتابة التقليدية، وهذا ما أدى الـى اعتـراف عـدة تـشريعات بالكتابـة الالكترونية ومساواتها للكتابة التقليدية من حيث حجية الاثبات.

ثانياً- استمرارية الكتابة:

   لكي تحقق الكتابة وظيفتها في الإثبات، يجب أن تدون على دعامة لحفظها فتـرة طويلـة من الزمن، بحيث يمكن الرجوع إليها عند الحاجة، ويستوي في ذلك أن تكون علـى دعامـة ورقية أو دعامة الكترونية مثل حفظها على ذاكرة الحاسوب أو الاقراص الممغنطة أو البريـد الالكتروني، وقد اختلفت الآراء حول استمرارية الكتابة الالكترونية مع هذه الوسائط والـدعائم السابق ذكرها، فطبقا لبعض الآراء فإن هذه الوسائط تتميز بدرجة عالية من الحساسية تجعلها تفقد القدرة على الاحتفاظ بالكتابة لأي سبب كالخدش أو الارتطام أو غيرها من وسائل سـوء الاستخدام أو التعمد في الإتلاف، إلا أن هذه المشاكل يمكن التغلب عليها باستخدام الأجهـزة ذات التقنيات المتطورة والتي توفر امكانية حفظ الكتابة الالكترونية بصفة مستمرة وعلى نحـو أفضل من حفظ المستندات الورقية التقليدية، بالإضافة الى وسائل حفظ المحررات الالكترونية الأخرى مثل حفظها لدى مقدمي خدمات التصديق الالكترونية أو الالتزام بحفظها من المرسل أو المرسل إليه35. وقد نصت على ذلك بعض القوانين ونجد أن قانون اليونسترال النمـوذجي بشأن التجارة الالكترونية لسنة 1996م، نص في المادة (1/6) منه على "عندما يشترط القانون أن تكون المعلومات مكتوبة تستوفي رسالة البيانات ذلك الـشرط إذا تيــر الاطـلاع علـى البيانات الواردة فيها على نحو يتيح استخدامها بالرجوع إليها لاحقاً"، كما نصت المـادة (9) على أنه:

  1- في أية إجراءات قانونية لا يطبق أي حكم من أحكام قواعد الاثبات من أجل الحيلولـة دون قبول رسالة بيانات كدليل إثبات:

   (أ) لمجرد أنها رسالة بيانات.

   (ب) بدعوى أنها ليست في شكلها الأصلي إذا كانت هي أفضل دليـل يتوقـع بدرجـة معقولة من الشخص الذي يستشهد بها أن يحصل عليه.

    فالمادة (1/10) من نفس القانون نصت على أنه "عندما يقضي القانون بالاحتفاظ بمـستندات أو سجلات أو معلومات بعينها، يتحقق الوفاء بهذا المقتضى إذا تم الاحتفـاظ برسـائل البيانـات شريطة مراعاة الشروط الآتية:

   1- تيسير الاطلاع على المعلومات الواردة فيها على نحو يتيح استخدامها في الرجوع إليها لاحقا.

   2- الاحتفاظ برسائل البيانات بالشكل الذي أنشئت أو أرسلت أو استلمت به أو بشكل يمكـن إثبات أنه يمثل بدقة المعلومات التي أنشئت أو أرسلت أو استلمت.

   3- الاحتفاظ بالمعلومات إن وجدت التي تمكن من استبانة منشأ رسـالة البيانـات وجهـة وصولها وتاريخ ووقت إرسالها واستلامها".

   وقد نصت المادة الرابعة من القانون التونسي لسنة 2000م بشأن التجارة الالكترونية علـى انه: "يعتمد قانونا حفظ الوثيقة الالكترونية في الشكل المرسل به ويلزم المرسل إليه بحفـظ هـذه الوثيقة في الشكل الذي تسلمها به ويتم حفظ الوثيقة على حامل الكتروني يمكن من:

   1- الاطلاع على محتواها طيلة مدة صلاحيتها.

    2- حفظها في شكلها النهائي بصفة تضمن سلامة محتواها.

    3- حفظ المعلومات الخاصة بمصدرها ووجهتها، وكذلك تاريخ ومكان إرسالها أو استلامها".

    ونص قانون المعاملات والتجارة الالكترونية بدولة الإمارات العربية المتحدة لـسنة 2002م في المادة (2/7) في إشارة إلى ضرورة تمتع الرسالة الالكترونية بصفة الاستمرار، حيث يمكـن الاطلاع عليها في أي وقت إذا تم الولوج إلى النظام الالكتروني الخاص بحفظ هذه الرسائل، حيث جاء نصها على ما يأتي "لا تفقد المعلومات التي تشير إليها الرسالة الالكترونية دون تفعيل أثرها القانوني او قابليتها للتنفيذ متى كان الاطلاع على تفاصيل تلك المعلومات متاحا ضـمن النظـام الالكتروني الخاص بنشأتها وتمت الإشارة الى كيفية الاطلاع عليها".

ثالثاً- عدم قابلية الكتابة ودعامتها للتعديل:

   يشترط في الدليل الكتابي حتى يكون حجة في الإثبات ألا يقبل التعديل والتغيير سواء بالمحو أو بالإضافة، فإذا ظهرت على المحرر أي علامات تدل على تعديل البيانات أو محوها، فإن ذلك يهدد قوة هذا المحرر في الإثبات، فقد جاءت المادة (47) من قانون الإثبات لسنة 1994م مقررة أنه "

   1- يجوز للمحكمة أن تحكم من تلقاء نفسها بأن المستند مزور إذا ظهر لها ذلك بجلاء في المستند أو ظروف الدعوى.

   2- يجوز للمحكمة أن تقرر ما يترتب على الشطب والكشط والمحو والإضافة وغير ذلـك من العيوب المادية من أثر على قيمة المستند".

   العيوب المادية التي تشوب المحررات التقليدية يسهل التعرف إليها في ظل مـا تتمتـع بـه الأوراق من امكانية كشف أي محو أو تحشير أو إضافة بواسطة الشخص العادي أو أهل الخبرة الفنية، فهل تتمتع المحررات والكتابة الالكترونية بالقدرة على مقاومة أي محاولة لإجراء تعديل أو تغيير في مضمونها، وإن تم هذا التعديل أو التغيير فإنه يترك أثراً على ذلك أو يـؤدي الـى إتلافه؟ يجب الإشارة إلى أن هنالك من الدعامات أو الوسائط ما توضع عليه البيانات لمرة واحدة ولا يمكن إعادة أو وضع أي بيانات عليها حتى ولو حرفاً واحداً، فإسطوانات الليزر توضع عليها البيانات بطريقة الحرق، فيتم حرق الاسطوانة من خلال برنامج معد لذلك، فمـثلاً البرنامج بالنسخ على الاسطوانة مرة واحدة فقط، وأن ما يتم من نسخ فيه غير قابل لأي عمليـة إضافة أو تعديل، وبالإضافة إلى أنه يتم حفظ رسائل البيانات المرسلة من المرسل والمرسل اليه، وبالإضافة الى الحفظ الذي تقوم به جهات التصديق الالكتروني فكل هذه الوسائل وغيرها كفيلـة هـذا يسمح بحفظ المستندات الالكترونية وما تحويه دون تعديل أو إضافة، وعلى ذلك ففي ظل التقدم التقن فإن شرط عدم قابلية الكتابة للتعديل متحقق في المستندات الالكترونية وذلك بعد أن أثمر التقـدم التقني وسائط الكترونية تتميز بثبات محتوياتها وما تحويه من بيانات ولا يسهل التلاعب بهـا أو إتلافها دون ترك أثر مادي محسوس. وقد نصت المادة (18) من قـانون التوقيـع الالكترونـي المصري لسنة 2004م على أنه "يتمتع التوقيع الالكتروني والكتابـة الالكترونيـة والمحـررات الالكترونية بالحجية في الاثبات إذا ما توافرت فيه الشروط الآت

   1- ارتباط التوقيع الالكتروني بالموقع وحده دون غيره.

   2- سيطرة الموقع وحده دون غيره على الوسيط الالكتروني.

   3- إمكانية كشف أي تعديل أو تبديل في بيانات المحرر أو التوقيع الالكتروني بعد وضـعه على أي محرر الذي يحمي هذه البيانات فمن الممكن تحقيق شرط عدم القابلية للتعـديل في المحرر الالكتروني إذا تم إتباع وسائل التشفير والحفظ.

    وقد بينت المادة (2) من قانون المعاملات الالكترونية لسنة 2007م إجراءات التوثيق بأنهـا "يقصد بها الاجراءات المتبعة للتأكد من أن التوقيع أو السجل الالكتروني قد تم تنفيذه من شخص معين أو نتتبع التغيرات والأخطاء التي حدثت في سجل الكتروني بعد إنشائه بما في ذلك استخدام وسائل التحليل للتعرف إلى الرموز والكلمات والأرقام وفك التشفير والاستعانة العكسية وأي وسيلة أو إجراءات أخرى تحقق الغرض". وبالمقارنة مع الوثائق الورقية يمكن القول: إن الوثيقة الالكترونية تقوم بدور يضاهي دور الوثائق الورقية، فمن ناحية إثبات وتثبيت الـشروط المتفـق عليها لا يقوم الاتفاق الالكتروني على تثبيت الشروط كالنص المكتوب خطيا فقط، بل يقوم أيـضاً بتثبيت التاريخ ومصدر الرسالة الالكترونية، أما بالنسبة الى حجية الوثيقـة الالكترونيـة فـيمكن الاحتجاج بهذه الوثيقة متى تحققت شروط معينة، ويمكن التعرف الى مصدر إنـشائها، وبالتـالي منشئها باستخدام تكنولوجيا التشفير بالمفتاح العام أو الخاص أو بواسطة جهات التوثيق التي تمنح الشهادة الالكترونية، وبالنسبة للحماية من التزوير فقد تكون الوثيقة الإلكترونية أكثـر أمنـا مـن الوثائق الورقية. ففي حين لا يمكن دائماً اكتشاف التزوير بالمحررات الخطية، فإنـه بالإمكـان التأكد من سلامة الوثيقة الالكترونية، وذلك باستخدام طريقة تشفير المعلومات والجدار النـاري، وأخيراً فإن الوثيقة الالكترونية قابلة للتخزين والحفـظ والاسـترجاع بسهولة ودون أي حيـز يذكر. وكنتيجة لتحقق الشروط القانونية للكتابة في الوثائق والمحررات الالكترونية، ومواكبـة للتطور التكنولوجي السريع في وسائل الاتصال المذكورة وتوظيفها في التعاقدات، فـإن هنـاك ضرورة للتوسع في المفهوم التقليدي للكتابة ليستوعب التطور الحاصل، بحيـث يمكـن القـول بتحقق شرط الكتابة في الدعامات الالكترونية، إذ إن الهدف من الكتابـة لا يستلزم أن تكـون محررة على دعامة ورقية بالذات، بل يمكن الاعتداد بالكتابة الالكترونية وفق الشروط أعـلاه، وهو ما تأخذ به بعض التشريعات دون الأخرى. حيث إنه، ومن خلال الرجـوع الـى القـوانين والمعاهدات السابقة، يلاحظ انسجام نصوص بعضها مع تطـور وسـائل الاتصال واعترافهـا بالمحررات الالكترونية بشكل واضح وصريح، ويبدو ذلك في النصوص التي تميل إلى المرونـة فى اقتضاء شرط الكتابة، بحيث يتحقق شرط الكتابة في أي وسيلة من وسائل الاتصالات يمكن أن تكون بمثابة سجل للاتفاق. ومن تطبيقات هذا الاتجـاه القـانون النمـوذجي للتحكـيم (اليونسترال) وقانون التحكيم العماني وقانون الاجراءات المدنية الاماراتي والإنجليزي، في حـين لم تأخذ بعض هذه الاتفاقيات والقوانين بعين الاعتبار تنامي توظيف التكنولوجيـا الحديثـة فـي عمليات التعاقد، نظراً لصدورها قبل نشوء هذا النوع من التكنولوجيا أصلاً، كما هو الحال فـ اتفاقية نيويورك واتفاقية جنيف، أو نظرا لقصور بعض تشريعات الدول العربيـة فـي مواكبـة توظيف وسائل الاتصالات الحديثة في عمليات التعاقد الالكتروني، وهذا ما حدا جانباً مـن الفقـه على التوسع في تفسير هذه النصوص والقياس على الفاكس والتلكس الأمر الذي لم يسلم بـدوره من النقض، حيث يفضل جانب آخر من الفقه تعديل هذه النصوص لتشمل وسـائل الاتصال الحديثة ومساواتها بالكتابة التقليدية38. ولغايات مواكبة التشريعات الحديثة بالتحكيم وما تـستلزمه حاجات ومتطلبات التجارة الالكترونية، فقد كان هناك جانب من الفقه يـرى تعـديل الاتفاقيـات الدولية، خاصة اتفاقية نيويورك التي تحظى باعتراف واسع من دول العـالم، أو إعـداد اتفاقيـة أخرى لهذا الغرض، وهو الأمر الذي لم يحظ بتأييد العديد من الأطراف خوفا من تأثيرها علـى استقرار الاتفاقية39. وللتغلب على المشاكل والصعوبات التي تعترض اتفاقيـة نيويورك حـول اتفاق التحكيم وشكله الكتابي، وذلك تجنبا للاعتراض على اختـصاصات هيئـة التحكـيم فـي منازعات التجارة الدولية، فقد عدلت لجنة الأونيسترال للتحكيم التجاري الدولي المادة (7) المشار إليها من القانون النموذجي، وذلك عام 2006، من أجل أن تتوافق أكثر مع الممارسات التعاقديـة الدولية، بحيث تصبح مستوفية بشرط الشكل الكتابي، وقد اعتمدت اللجنة نهجين مختلفين لمعالجة استيفاء الشكل الكتابي في اتفاق التحكيم، وذلك كما يأتي:

   النهج الأول: يتبع هذا النهج الهيكل التفصيلي لنص عام 1985 الأصلي، ويؤكد هذا النهج صحة ونفاذ التزام الطرفين بأن يحيلا إلى التحكيم أي نزاع قائم أو نزاع قد ينشأ مستقبلاً، كما يتبع اتفاقية نيويورك في اشتراط الشكل الكتابي لاتفاق التحكيم، ولكنه يعترف بأي سـجل لمحتوى الاتفاق، وفي أي شكل، باعتباره يعادل الكتابة التقليدية بما في ذلك الكتابة الإلكترونية، كما يجيز إبرام اتفاق التحكيم بأي شكل بما في ذلك شفوياً ما دام مضمون الاتفـاق مـسجلاً، وهذه القاعدة الجديدة مهمة من حيث أنها لم تعد تشترط توقيع الطرفين أو تبادل رسائل بينهما، وهي تضفي الطابع العصري على الصيغة التي تشير إلى استخدام التجارة الالكترونيـة مـن خلال اعتماد صيغة مستوحاة من قانون اليونسترال النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية لعـام 1996، واتفاقية الأمم المتحدة بشأن استخدام الخطابـات الالكترونيـة فـي العقـود الدوليـة لعام 2005.

   النهج الثاني: يعرف هذا النهج اتفاق التحكيم بطريقة لا يرد فيها أي شـرط بـشـأن الـشكل الكتابي، بحيث يجوز الاتفاق على التحكيم بأي صورة تعبر عن مضمونه، ولا يهم بعد ذلـك أن يكون اشتراط الكتابة لازماً لانعقاد اتفاق التحكيم أو إثباته، فالأمر متروك للدول المشرعة. ولـم تعرب اللجنة عن أي تفضيل لأي من الخيارين الأول والثاني، وكلاهما معروض علـى الـدول المشرعة، ويقصد من الخيارين كليهما المحافظة على نفاذ اتفاقيات التحكيم فـي إطـار اتفاقيـة نيويورك. وقد صادقت لجنة الأمم المتحدة في دورتها التاسعة والثلاثين عام 2006 علـى هـذا التعديل، وأصدرت توصية بشأن تفسير الفقرتين (1، 2) من المادة (2) من اتفاقيـة الاعتـراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها المبرمة في نيويورك في حزيران/ يونيـه 1958 -المـشـار إليها-، حيث جاء في قرار الجمعية العامة رقم 33/61 المؤرخ في 4 كانون الأول/ ديسمبر 2006: (أن الوقت قد أصبح مناسباً تماماً في سياق تحديث مواد القانون النموذجي للترويج لتفسير وتطبيق موحدين لاتفاقية الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها المبرمة فـي نيويورك، وتشجع التوصية الدول على أن تطبق المادة الثانية من اتفاقية نيويورك مـع إدراك أن الحـالات الواردة فيها ليست حصرية، وبالإضافة إلى ذلك تشجع التوصية الدول على اعتماد المادة السابعة المنقحة من القانون النموذجي للأمم المتحدة) وعلى ذلك فإن اتفاق التحكيم بموجـ قـرار الجمعية العامة، ووفقاً للقانون النموذجي المنقح، قد يبرم بأي شكل بما في ذلك الاتفاق الشفوي ما دام مضمون الاتفاق مسجلاً، وتترتب على هذه القاعدة الجديدة نتائج هامة حيث إنهـا لـم تـعـد تشترط توقيع الطرفين أو تبادل رسائل بينهما -كما أشرنا-، بحيـث أصـبح الـشرط الـشكلي (الكتابي) شرط إثبات فحسب، وليس شرط انعقاد بموجب القانون النموذجي هذا من جهة. ومـن جهة أخرى، فإن العديد من الأنظمة القانونية والاتفاقيات الدولية الخاصة بالتحكيم ما زالت تشترط توقيع اتفاق التحكيم، ولذا يتم التساؤل عن مدى صـحة التوقيـع الالكترونـي لاتفـاق التحكـيم وشروطه؟

المطلب الثاني

مفهوم التوقيع الالكتروني وشروطه

الفرع الأول: مفهوم التوقيع الالكتروني

   تتعدد تعريفات التوقيع الالكتروني، وذلك بحسب الجهة التي ينظر منها إليه، سواء من حيث الوسيلة المستخدمة في إبرامه، أم من حيث الوظيفة التي يؤديها هذا التوقيع أو غير ذلك، ولـسنا بصدد دراسة أحكام التوقيع الالكتروني بشكل تفصيلي، لأن ذلك يحتاج إلى دراسة مستقلة، ولكننا ولغايات البحث سنقوم بالتركيز على بيان الجانب الوظيفي للتوقيع الالكتروني في اتفاق التحكـيم. حيث يعرفه جانب من الفقه بأنه: "مجموعة من الإجراءات والوسائل التي يتبع أسـتخدامها عـن طريق الرموز أو الأرقام إخراج رسالة الكترونية تتضمن علامة مميزة لصاحب الرسالة المنقولة الكترونيا يجري تشفيرها باستخدام زوج من المفاتيح واحد معلـن والآخـر خـاص بـصاحب الرسالة"، ويعرفه جانب آخر من الفقه بأنه: "بيان مكتوب في شكل الكتروني يتمثل في حـرف ایلیا أو رقم أو رمز أو إشارة أو صوت أو شفرة خاصة ومميزة ينتج من إتباع وسيلة آمنـة، وهـذا البيان يلحق أو يرتبط منطقياً ببيانات المحرر الالكتروني للدلالة على هوية الموقع على المحـرر والرضاء بمضمونه"، حيث يركز هذا التعريف على صورة قيام التوقيع الالكتروني بالوظـائف التقليدية للتوقيع، وهو تمييز هوية الشخص والتعبير عن رضائه الارتباط بالعمل القانوني، لكنه لا يغفل إجراءات إصدار التوقيع الالكتروني وتوثيقه، والتي غالباً ما تتولاها جهة مرخص لها مـن الجهات المختصة بذلك. ومن المسلم به أن لجوء الأطراف الى التحكيم يعني تنازلهم عن حقهـم في اللجوء الى القضاء الذي يعتبر صاحب الاختصاص الأصيل لفض المنازعات؛ لذا التأكد يجب من انصراف إرادة الأطراف الى اتخاذ التحكيم سبيلاً لذلك، وليس من طريقة أنجع مـن توقيـع الأطراف اتفاق التحكيم للتأكد من سلامة إرادة الأطراف؛ لهذا نجد أن معظم القوانين نصت على ضرورة توقيع اتفاق التحكيم. وبالرجوع الى القوانين والاتفاقيات الدولية يلاحظ عدم تشدد الحديثة منها في اشتراط توقيع اتفاق التحكيم بل إن القديمة منها تضيف بعد اشـتراط توقيـع اتفـاق التحكيم ما يتضمن الاعتراف به إذا كان صادراً عن الطرفين وثابتاً صدوره عنهما، مـن خـلال الرسائل والبرقيات المتبادلة أو غير ذلك من الوسائل التي يلاحظ تطورها حسب حداثة القانون45، وبالتالي لا يعتبر توقيع اتفاق التحكيم شرطاً لصحة هذا الاتفاق، بل عبارة عـن شـرط لإثبـات صدوره عن أطراف الاتفاق. ونتيجة لتفاوت الأنظمة القانونية في تنظيم العقـود الإلكترونيـة، وبالتالي الاعتراف بصحتها، يمكن أن يثور تساؤل عن مدى صحة احتجاج أحد أطـراف اتفـاق التحكيم الالكتروني أمام دولة التنفيذ التي لا تعترف بالاتفاق الالكترونـي، أو الاتفـاق الموقـع الكترونيا؟ ويلاحظ أن صحة اتفاق التحكيم الموقع الكترونياً لا يتوقف على قانون دولـة التنفيـذ، وإنما يتوقف على القانون المطبق على إجراءات التحكيم وقانون الدولة حيث صـدر الحكـم واستنادا للمادة (1/5) من اتفاقية نيويورك لعام 1958، والتي تنص على أنه: (1- يجوز رفض طلب الاعتراف بقرار التحكيم وتنفيذه، وذلك بناء على طلب المدعى عليه شريطة أن يقدم هـذا الأخير إلى الجهة المقدم إليها ذلك الطلب إثباتا:

    أ- أن الفرقاء في الاتفاقية المبحوث عنها في المادة الثانية كانوا فاقدي الأهليـة بموجـب القانون الذي تخضع له تلك الاتفاقية، أو

   ب- (في حالة عدم وجود الدليل على ذلك) بمقتضى قانون البلد الذي صـدر فيـه قـرار التحكيم).

   وبالتالي يلزم لصحة الاتفاق الالكتروني والتوقيع الالكتروني أن يكون هذا الاتفـاق وهـذا التوقيع صحيحين، وفقا للقانون المطبق على إجراءات التحكيم إذا تم الاتفاق على ذلك، أو وفقـاً لقانون الدولة التي صدر فيها الحكم إذا لم يتم مثل هذا الاتفاق، لذلك لابد من الحرص على اختيار قوانين تجيز مثل هذا النوع من العقود، أو اللجوء الى مراكز تحكـيم فـي دول تجيـز التعاقـد الالكتروني، وإن كانت جل هذه المراكز في دول رائدة في هذا المجال.

الفرع الثاني: شروط التوقيع الالكتروني

   لغايات التأكد من صحة اتفاق التحكيم الالكتروني في اتجاه إرادة الأطراف في اللجوء الـى هذا النوع من التحكيم، يلزم ابتداء تحديد الشروط الواجب توافرها في التوقيع الالكتروني حتى يتم الاعتداد به في الإثبات. ولم تغفل لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالقانون التجاري الدولي عن أهمية تحديد الشروط اللازمة في التوقيع الالكتروني، فقد نص القانون النموذجي الـصـادر عـن هـذه اللجنة، والذي أقرته اللجنة العامة للأمم المتحدة في ديسمبر عام 1996 في المادة (7) منه علـى هذه الشروط لتحديد معنى مصطلح التوقيع، حيث نصت على أنه: (عندما يشترط القانون وجـود توقيع من شخص، يستوفي في ذلك الشرط بالنسبة إلى رسالة البيانات إذا:

   أ- استخدمت طريقة لتعيين هوية ذلك الشخص والتدليل على موافقة ذلك الشخص علـى المعلومات الواردة في رسالة البيانات، أو

  ب- إذا كانت تلك الطريقة جديرة بالتعويل عليها بالقدر المناسب للغرض الذي أنـشئت أو أبلغت من أجله رسالة البيانات في ضوء كل الظروف بما في ذلك أي اتفـاق متـصل بالأمر).

    وقد سار على النهج ذاته قانون اليونسترال النموذجي بشأن التوقيعـات الإلكترونيـة لـعـام 2001، وذلك في المادة (6) منه . حيث كرر نفس الشروط الواردة في القانون الخاص بالتجارة الالكترونية، بالإضافة إلى نصه في المادة (6/3) منه على الشروط الواجب توافرها بـالتوقيع الالكتروني من أجل اعتباره موثقاً وصالحاً للوفاء بمتطلب التوقيع، وجـاءت المـادة (7) منـه لتتحدث عن صلاحية الجهة التي تعينها الدولة المشترعة لتحديد التواقيع التي تفي بمتطلبات المادة (6) مع مراعاة المعايير الدولية والقانون الخاص في تلك الدولة. كما سارت قوانين المعـاملات الالكترونية الإماراتي والعماني والسوداني على خطى القانون النموذجي، حيث تضمنت المـادة (31) من قانون المعاملات الالكتروني السوداني لسنة 2007م الشروط الواجـب توافرهـا فـي التوقيع الالكتروني حتى يكتسب الحجية في الإثبات، وقد جاء نصها كما يأتي" اذا عرض بـصدد أية إجراءات قانونية، توقيع رقمي مقرون بشهادة معتمدة لأي شخص، يكون ذلك التوقيع معـادلاً لتوقيعه اليدوي إذا:

   1. استخدمت آلية لتحديد هوية ذلك الشخص والتدليل على مو افقته على المعلومات الواردة في رسالة البيانات الالكترونية.

   2. كانت تلك الآلية مما يعتمد عليه بالقدر المناسب للغرض الذي أنشئت من أجلـه رسـالة البيانات الالكترونية، في ضوء الظروف بما في ذلك أي اتفـاق آخـر مـتـصـل بـذلك ی الشخص.

    3. إذا لم يتم وضع التوقيع الإلكتروني باستعمال شهادة معتمدة فإن قرينة الصحة المقـررة بموجب أحكام البند (3) لا تلحق أياً من التوقيع أو السجل الالكتروني، وكـذلك قـانـون المعاملات الالكترونية العماني، حيث نصت المادة (22) منه على أنه: "يعتبـر التوقيـع الالكتروني محمياً وجديراً بأن يعتمد عليه إذا تحقق الآتي:

   أ. كانت أداة إنشاء التوقيع في سياق استخدامها مقصورة على الموقع دون غيره.

   ب. كانت أداة إنشاء التوقيع في وقت التوقيع، تحت سيطرة الموقع دون غيره.

   ج. كان ممكناً كشف أي تغيير للتوقيع الالكتروني يحدث بعد وقت التوقيع.

    د. كان ممكناً كشف أي تغيير في المعلومات المرتبطة بالتوقيع يحدث بعد وقت التوقيع.

   ومع ذلك يجوز لكل ذي شأن أن يثبت بأية طريقة أن التوقيع الالكتروني جدير بأن يعتمد عليه أو أنه ليس كذلك.

   ويلاحظ أنه مهما تفاوتت مواقف الأنظمة القانونية من الكتابة أو التوقيع بالشكل الالكتروني، فإن الحديثة منها والقديمة على حد سواء تشترط استخراجها على ورق مكتوب، وذلك عندما يـتم تقديم طلب تأكيد الحكم والمصادقة عليه وتنفيذه، إذ إن المحاكم لا تتعامل بالوثائق الالكترونيـة وإن كانت تعترف بها، وبالتالي يجب أن يكون اتفاق التحكيم قابلاً للاستخراج علـى ورق حتـى يكون قابلاً للتنفيذ، ويرتب آثاره القانونية.

النتائج والتوصيات

1- إن التحكيم الالكتروني يلعب دوراً أساسياً في تسوية منازعات التجارة الدولية بصورة عامة ومنازعات التجارة الالكترونية بصورة خاصة.

2- يكون التحكيم الكترونيا إذا تمت كل إجراءاته عبر الوسيلة الالكترونية.

3- يهدف التحكيم الالكتروني إلى تنقية وتأمين بيئة العمل الالكتروني من خلال حل المنازعات الالكترونية القائمة وتقديم الخدمات الاستشارية التي من شأنها منع حدوث المنازعات.

4- قانون التحكيم السوداني ينسجم مع اتفاقية نيويورك للاعتراف بقرارات التحك وتنفيذها، وكذلك مع القانون المقارن في كل من مصر وعمان والأردن والإمارات.

5- التشريعات الحديثة في التحكيم والاتفاقيات والمعاهدات الدولية في غالبيتها أصبحت تعترف بالمحررات الإلكترونية بشكل واضح وصريح، بحيث يتحقق شرط الكتابة بأي وسيلة مـن وسائل الاتصالات الحديثة، والتي تعد بمثابة سجل للاتفـاق، وبالتـالي أصـبحت الكتابـة الالكترونية موازية للكتابة التقليدية في موضوع شرط كتابة اتفاق التحكيم.

6- أحدث التعديلات التي أدخلت على نص المادة (7) من القانون النموذجي للتحكيم التجـاري الدولي (اليونسترال) قد تضمنت توصية صادرة عن لجنة الأمم المتحدة عام 2006، وتتعلق بتفسير نص المادة (2) من اتفاقية نيويورك لكي تصبح مستوفية شرط الشكل الكتابي لتتوافق أكثر التعاقدات الالكترونية، وذلك تجنباً للاعتراض على اختصاصات هيئة التحكيم فـي مع منازعات التجارة الدولية.

التوصيات والمقترحات:

1- نقترح على المشرع السوداني أن يشرع قانوناً خاصاً بالتوقيع الالكتروني إسـوة بالمـشرع المصري والأردني والتونسي والبحريني.

2- ندعو المشرع السوداني إلى إجراء تعديلات على قانون الإثبات لسنة 1994م لتوسيع مفهوم الكتابة، بحيث تشمل الرموز أو أي طريقة الكترونية أخرى، وأن السندات الالكترونية تعـد مطابقة للسندات الأصلية الورقية إذا كانت قد أرسلت بالشروط التي يفترض أن يحـددها القانون.

3- نوصي المشرع الوطني بإصدار قانون منفصل ينظم أحكام التحكيم الالكتروني.

4- يجب على الجهات المختصة والمهتمة بشؤون التحكيم الالكتروني إعداد الدراسات والبحوث حول التجارة الالكترونية والمعاملات والعقود الرقميـة وعلاقتهـا بـالتحكيم الالكترونـي بالإضافة إلى تنمية الكوادر البشرية في مجال التحكيم الالكتروني.