الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / اللجوء للتحكيم الإداري في العقود الإدارية في القانون / الكتب / الموجز فى النظرية العامة للتحكيم التجاري الدولي / موقف القانون اللبناني من جواز التحكيم في العقود الادارية

  • الاسم

    د. حفيظة السيد الحداد
  • تاريخ النشر

    2010-01-01
  • اسم دار النشر

    منشورات الحلبي الحقوقية
  • عدد الصفحات

    529
  • رقم الصفحة

    385

التفاصيل طباعة نسخ

ثالثاً: موقف القانون اللبناني من جواز التحكيم في العقود الإدارية

يعد موضوع مدى قابلية العقود الدولية للخضوع للتحكيم من أكثر الموضوعات التي تشغل بال المهتمين بالتحكيم في الراهنة، وذلك بسبب ما أثاره النزاع الناشئ بين الحكومة اللبنانية وكل من شركتي ف.ت.م. ل.، فرانس تلكوم وليبانسل بخصوص عقود الهاتف الخلوي.

وينقسم الفقه والاجتهاد في لبنان بخصوص هذه المسألة إلى فريقين الأول يتمسك ببطلان شرط التحكيم الوارد في العقد الإداري، سواء كان العقد إدارياً داخلياً أو دولياً، وهو الرأي الذي انتهى إليه مجلس شورى الدولة في تقريره الصادر في ۲۰۰١/٦/٥، وأيضاً في قراره رقم ٢٠٠٠/٦٣٨ - ٢٠٠١ تاريخ ۲۰۰۱/۷/۱۷ في قضية الدولة ضد ليبانسل، وقراره رقم ٦٣٩ ۲۰۰۰ - ۲۰۰۱ تاريخ ۲۰۰۱/۷/۱۷ في قضية الدولة ضد شركة ف. ت . م. ل. بينما يذهب جانب آخر من الفقه إلى القول بجواز قبول التحكيم في العقود الإدارية الدولية حتى وإن كانت عقود التزام.

الموقف الرافض لقبول التحكيم في عقود الدولة ذات الطبيعة الإدارية وخاصة عقود الامتياز

يستند الفقه الرافض إلى قبول التحكيم في العقود الإدارية إلى مجموعة من الحجج القانونية. وسنعرض لها على التوالي.

 الحجة الأولى وتتعلق بالاختصاص الاستشاري الحصري القاصر لمجلس شورى الدولة بنظر المنازعات المتعلقة بعقود، أو صفقات، أو التزامات، أو امتيازات إدارية.

ويذهب الرأي القائل بعدم جواز التحكيم في العقود الإدارية إلى أن القانون أعطى لمجلس شورى الدولة اختصاصاً قاصراً بنظر العقود الإدارية وهو اختصاص متعلق بالنظام العام ويقتضي إثارته عفواً ولم يدل به أي من الفرقاء.

ويدلل هذا الاتجاه على صحة هذه الحجة بالإشارة إلى النصوص القانونية المؤكدة لما انتهى إليه من رأي فمن ناحية تشير المادة ٦٠ من قانون نظام مجلس شورى الدولة المنفذ بالمرسوم رقم ١٠٤٣٤ تاريخ ١٤ حزيران ١٩٧٥ على ما يأتي: "مجلس شورى الدولة هو المحكمة العادية للقضايا الإدارية والمرجع الاستئنافي أو التمييزي في القضايا الإدارية التي اعتبرها القانون محكمة خاصة".

كذلك نصت المادة ٦١ من ذات القانون على أن "ينظر مجلس شورى الدولة على الأخص:

  1.  في طلبات التعويض عن الأضرار التي تقع بـ الأشغال العامة أو تنفيذ المصالح العامة أو الأضرار الناجمة عن سير العمل الإداري في المجلس النيابي.

  2.   في القضايا الإدارية المتعلقة بعقود أو صفقات أو امتيازات إدارية أجرتها الإدارات العامة أو الدوائر الإدارية في المجلس النيابي لتأمين سيرا المصالح العامة.

  3. في قضايا الضرائب المباشرة.

  4.  في قضايا الضرائب غير المباشرة خلافاً لأي نص آخر.

  5.  في قضايا الموظفين والمنازعات الفردية المتعلقة بموظفي المجلس النيابي.

  6.  في القضايا المتعلقة بأشغال الأملاك العامة.

  7.  في القضايا التي ترجع فيها كان سبباً للحكم عليها."

كما تنص المادة ٧٦٢ من قانون أصول المحاكمات المدنية على أنه "يجوز للمتعاقدين أن يدرجوا في العقد النجاري أو المدني المبرم بينهم بنداً ينص على أن تحل بطريق التحكيم جميع المنازعات القابلة للصلح التي تنشأ عن تنفيذ هذا العقد أو تفسيره.

فالمادة المذكورة تنص صراحة على جواز التحكيم في العقود التجارية والمدنية، وإعمال مفهوم  المخالفة يقتضي ألا يكون التحكيم جائزاً في العقود الإدارية. إذ أنه لو كان جائزاً في العقود الإدارية شأنه في ذلك شأن العقود التجارية والمدنية لنص المشرع اللبناني على ذلك صراحة.

والذي يدفع إلى المناداة بذلك الحل أن قواعد الاختصاص بالنسبة للعقود الإدارية، تعتبر من النظام العام وهي تفرض اللجوء إلى القضاء الإداري المختص، ومن ثم فإنه لا يمكن للفرقاء مخالفتها، وإلا اعتبر اتفاقهم باطلاً بطلاناً مطلقاً ويمكن إثارة هذا البطلان من قبل الأطراف في جميع مراحل المحاكمة كما للقاضي إثارته من تلقاء نفسه.

وترتيباً على ذلك، فإن الدولة لا تستطيع، وهي الطرف الرئيسي في العقود الإدارية، أن تتفق مع الطرف الآخر على اللجوء إلى التحكيم لحل خلافاتهم لما في ذلك من مخالفة لقواعد الاختصاص المتعلقة بالنظام العام.

ولقد تبنى مجلس شورى الدولة في تقريره الصادر في ٢٠٠١/٦/٥ الدولة ضد في. ت. م ل وكذلك في تقريره الصادر في ۲۰۰۱/٦/١ في قضية الدولة ضد ليبانسل، وأيضاً في القرارين الصادرين عنه، وهما القرار ٦٣٨ / ٢٠٠٠ - ٢٠٠١، تاريخ ۲۰۰۱/۷/۱۷ والقرار ۲٠٠٠/٦٣٩ – ۲۰۰ بتاريخ٢٠٠١/٧/١٧ ، هذه الحجة بشكل كامل وطبقها على الواقعة المعروضة عليها. ونظراً لأهمية هذين القرارين فإننا سنعرض للواقعة التي صدر بشأنها هذين القرارين.

وتتعلق الواقعة التي صدر فيها بالمنازعة القائمة بين الدولة اللبنانية وشركة ف . ت . م . ل. وأيضاً شركة ليبانسل.

بناء على القانون رقم ۹۳/۲۱۸ والذي أجاز لوزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية استدراج عروض عالمية لتحقيق مشروع نظام الراديو الخليوي الرقمي المتطور (G.S.M) وتلزيمه لمدة لا تتجاوز الاثني عشر عاماً، قام الوزير باستدراج العروض والتي على أثرها وبناء على قرار مجلس الوزراء وقع وزير البريد والمواصلات السلكية والللاسلكية عقدين مع شركتين أجنيتين إحداهما شركة فرانس تلكوم أنترناشيونال بتاريخ ١٩٩٤/٦/٢٨.

ولقد نصت المادة التاسعة من العقد على أن المسئولية عن يجب تحويلها إلى شركة لبنانية فرنسية تدعى F.TML فرانس تلكوم اللبنانية التي تم تسجيلها في السجل التجاري في جبل لبنان تحت رقم ٥٢٩٩٤ بعبدا.

ولقد نصت المادة ١٣ من العقد على التزام الشركة بالأنظمة والتعاميم التي تصدرها السلطة اللبنانية.

 

. ونصت المادة ٣٠ على تسوية المنازعات بالطرق الودية، وإلا طبقاً لقواعد المصالحة والتحكيم وفقاً لنظام غرفة التجارة الدولية بباريس.

ونظراً للمخالفات الجسيمة التي ارتكبتها الشركة المشار إليها أعلاه والمنسوبة إليها من قبل الدولة اللبنانية ممثلة في وزارة المواصلات، أصدر الوزير المختص أمر التحصيل رقم ١/٢٥٧٨/ و تاريخ ٢٠٠٠/٦/٢٢ بوجوب دفع مبلغ ثلاثمائة مليون دولار أمريكي كتعويضات للخزينة ولقد تقدمت الشركة باعتراض على أمر التحصيل أمام المحكمة الابتدائية في بيروت وجبل لبنان ثم تقدمت بدعوى التحكيم امام غرفة التجارة الدولية بباريس، استناداً إلى المادة ٣٠ من العقد.

 

ولقد أدى تسلسل الأحداث السابقة إلى قيام الدولة بتقديم مراجعة أمام مجلس شورى الدولة لتفسير وإبطال أحكام المادتين ۱۳ ، ۳۰ من العقد المشار إليه، وهي المراجعة التي صدرت فيها القرارات المشار إليها والتي استندت على فكرة الاختصاص الاستشاري والحصر والقاصر لاختصاص مجلس شوری الدولة، وذلك بقولها إن مسألة الاختصاص تتعلق بالانتظام العام ويقتضي إثارتها عفواً، ولو لم يدل بها أي من الفرقاء علماً بأن الطرفين ناقشا هذه المسألة في أقوالهما .

 

وبما أن العقد موضوع المراجعة موقع من وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية نتيجة استدراج عروض عالمية لتحقيق مشروع نظام الراديو الخليوي الرقمي المتطور المسمى .G.M.S. وتلزيمه لمدة اثني عشر عاماً والذي أجازه المشرع بموجب القانون رقم ۲۱۸ تاريخ ١٩٩٣/٥/١٣، على أن تحدد التفاصيل والأصول العائدة للمشروع فنياً وإدارياً واستثمارياً بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء. وبما أن هذا العقد هو عقد امتياز لاستثمار مرفق عام وطني لمدة محددة منح وفق أحكام المادة ۸۹ من الدستور، وأن تسميته الأنجلوسكسونية Built - operate - transfert لا تؤثر في وصف القانون بأنه عقد امتياز لأن هذه العناصر التي يتضمنها: البناء والاستثمار ونقل الملكية إلى الدولة عند نهاية العقد، العناصر ذاتها التي يتضمنها عقد الامتياز وفق التعريف المحدد في المادة ٨٩ من الدستور منح امتياز الاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية أو مصلحة ذات منفعة عامة أو احتكار إلى زمن محدد.

 

وبما أن العبرة في عقد الامتياز هي لطبيعة العقد ولأركانه ولا يغير في هذة الطبيعة كون الامتياز معطى لشركتين اثنتين حتى ولو كاننا متنافسين، هذا مع العلم بأن الإجازة لوزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية إجراء استدراج عروض عالمي بتحقيق نظام الخلوي الرقمي تمت بموجب قانون (القانون رقم ۲۱۸ تاریخ ۹۳/۵/۱۳) وبالاستناد إلى أحكام الدستور ضمناً، وهذا ما يعزز القول أن العقد موضوع المراجعة هو امتياز منح بموجب تفويض المشترع. ومما يعزز هذا القول أيضاً كون المادة 3 من القانون رقم ۲۱۸ نصت على أنه الحدد عند الاقتضاء التفاصيل والأصول العائدة للمشروع فنياً وإدارياً واستثمارياً ومالياً بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية ووزير المالية.

 

وبما أن أحكام المادة ٦١ من نظام هذا المجلس نصت صراحة على اختصاصه بالنظر في القضايا الإدارية المتعلقة بعقود أو صفقات أو التزامات أو امتيازات إدارية أجرتها الإدارات العامة أو الدوائر الإدارية في المجلس النيابي التأمين سير المصالح العامة، وهو نص يكرس ما استقر عليه الاجتهاد الفرنسي، وتبعه الاجتهاد اللبناني، منذ زمن بعيد وفيه أن المساهمة في تنفيذ المرفق العام ذاته هو معيار كاف بحد ذاته لاعتبار العقد إدارياً، ويدخل بالتالي في اختصاص القضاء الإداري.

 

وإلى جانب هذه الحجة الرئيسية التي يستند إليها الاتجاه القائل ببطلان شرط التحكيم الوارد العقد الإداري، فإن هذا الاتجاه استند إلى حجة ثانية سنعرض لها الآن.

 

الحجة الثانية: الاستناد إلى قواعد الاختصاص القضائي الدولي الواردة في قانون أصول المحاكمات لرفض التحكيم في العقود الإدارية سيما عقود الامتياز.

يذهب الاتجاه الرافض لقبول التحكيم في العقود الإدارية إلى الإشارة إلى المادة ٧٧ من قانون أصول المحاكمات المدنية كدليل لعدم إمكانية قبول التحكيم في العقود الإدارية، سيما عقود الامتياز.

إذ تنص إذ تنص المادة المذكورة على أن الدعوى المتعلقة بصحة أو بمخالفة او معترف به من الدولة اللبنانية تقام إلزامياً لدى المحاكم امتیاز ممنوح اللبنانية.

ولقد استند التقرير والقراران الاقتران عن مجلس شورى الدولة المشار إليهم على هذه الحجة بشكل مباشر وكامل. حيث سطرا أن مبدأ منع التحكيم في العقود الإدارية يتسم بأهمية خاصة في عقود الامتياز لأن التحكيم لا يفترض تنازلاً عن اختصاص القضاء الوطني وعن بعض حقوق الإدارة فحسب، بل ويتضمن أيضاً تنازلاً عن سلطتها التنظيمية الدستورية في تنظيم المرافق العامة وإخضاعها لرقابة المحكمين، وهو أمر يمس بسيادة الدولة ذاتها. ولذلك نجد أن محكمة التمييز الفرنسية، وعلى الرغم من اجتهادها المستمر في الإقرار بصحة البنود التحكيمية، ترفض إخضاع الدولة الأجنبية لبند تحكيمي تتنازل بموجبه عن حصانتها القضائية عندما يكون العقد الذي ارتبطت به عملاً صادراًعن تلك الدولة بموجب سلطتها العامة .

 

وعلى أي حال فإن المادة ٧٧ قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني جاءت بنص صريح وحاسم في هذا الشأن عند قولها إن الدعوى المتعلقة بصحة أو مخالفة امتياز ممنوح أو معترف به من قبل الدولة اللبنانية تقام الزامياً لدى المحاكم اللبنانية.

 

الحجة الثالثة : عدم إعمال الحكم الوارد في المادة ٨٠٩ من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني على العقود الإدارية الدولية

 

تنص المادة ۸۰۹ من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني والواردة القسم الثاني الخاص بالتحكيم الدولي على أنه يحق للدولة ولسائر الأشخاص المعنويين العامين اللجوء إلى التحكيم الدولي.

 

الواضح أن هذه المادة تعطي للدولة والأشخاص العامة الأخرى الحق في اللجوء إلى التحكيم لحل المنازعات التي تنشأ بينهما وبين غيرهم من الأشخاص الأخرى. إلا أن الفقه المناهض لصحة شرط التحكيم في العقود الإدارية حتى لو كانت تتعلق بمصالح التجارة الدولية ، يرى أن هذه المادة لا يمكن أن تستخدم كحجة للقائلين بجواز التحكيم في العقود الإدارية الدولية.

فوفقاً لهم وهو ما رده أيضاً مجلس شورى الدولة، "لا محل لتطبيق أحكام المادة ۸۰۹ من قانون أصول المحاكمات المدنية التي أجازت للدولة وسائر الأشخاص المعنويين اللجوء إلى التحكيم الدولي في ما يتعلق بمصالح التجارة الدولية، لأن تطبيق أحكام هذه المادة ينحصر بالعقود التي تجريها الدولة وتخضع فيها للقانون الخاص ولا تمارس فيها امتيازاتها كسلطة عامة، ويعود النظر فيها للقضاء العدلي من دون العقود الإدارية التي تخضع للقانون العام ويعود النظر فيها للقضاء الإداري".

 

الحجة الرابعة: عدم الاعتداد بالفقرة الثانية من المادة ٧٩٥ من قانون أصول المحاكمات المدنية للقول بجواز التحكيم في العقود الإدارية

 

تنص المادة ٧٩٥ من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني في فقرتها الثانية المعدلة بالمادة من المرسوم الاشتراعي رقم ٨٥/٢٠ على أنه" إذا كان النزاع موضوع التحكيم من اختصاص القضاء الإداري تعطى الصيغة التنفيذية من قبل رئيس مجلس شورى الدولة وفي حال رفضها يعترض على قراره لدى مجلس القضايا".

 

فيذهب الفقه المناهض لجواز التحكيم في العقود الإدارية إلى أنه يشبعي أن لا تفهم هذه المادة على أنها تتضمن جوازاً وقبولاً للتحكيم في العقود الإدارية ولقد ذهب مجلس شورى الدولة في ذات الاتجاه بقوله «أراد المشرع من جهة أولى في هذه الفقرة تمكين رئيس مجلس شورى الدولة من إعطاء الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي إذا كان هذا القرار متخذاً في إطار الشروط التي تسمح باتخاذه. بمعنى آخر من المنطقي أن يعطى رئيس المجلس هذه الصلاحية إذا كان هذا النزاع موضوع التحكيم من اختصاص القضاء الإداري. وليس في الفقرة موضوع البحث ما يدل على خرق المبدأ الراسخ وبالتالي يمكن القول بأن التحكيم بات هو القاعدة في المواد الإدارية" .

 

"من جهة ثانية فإن الفقرة نفسها أضيفت إلى قانون أصول المحاكمات المدنية الصادر عام ۱۹۸۳ بموجب المرسوم الاشتراعي رقم ٨٥/٢٠ لشد فراغاً تشريعياً في هذا الميدان ولتمنع التباين في الاجتهاد والتلحظ بصراحة صلاحية القضاء الإداري لإعطاء الصيغة التنفيذية للقرارات التحكيمية في حال وجود قانون يسمح بالتحكيم في النزاعات الإدارية (ومثل هذه الأحكام القانونية موجودة بالفعل في لبنان ولو كان ذلك بصورة نادرة واستثنائية) ومن قبيل ذلك مثلاً ما ورد في قانون النقد والتسليف وإنشاء المصرف المركزي".

 

"ومن جهة ثالثة، ومع التسليم بأن الصلاحية المعطاة لرئيس مجلس شورى الدولة تشمل القرارات التحكيمية الدولية بدليل إحالة المادة ٨١٥ ا.م.م. التي جاءت تحت عنوان التحكيم الدولي في المواد ۷۹۳ - ۷۹۷ التي جاءت تحت عنوان التحكيم الداخلي مع التسليم بذلك، فإن المعنى بالقرارات . التي تعطى الصيغة التنفيذية في لبنان ليس القرارات الصادرة في المنازعات الإدارية على إطلاقها بل تلك التي تجيزها المعاهدات أو القوانين وعلى وجه استثنائي دائماً".

وإلى جانب هذه الطائفة الأولى من الحجج التي ارتكزت أساساً على نصوص القانون اللبناني سواء تلك الواردة في قانون نظام مجلس شورى الدولة أو قانون أصول المحاكمات المدنية سواء منها ما تعلق بالاختصاص القضائي الدولي للمحاكم اللبنانية أو التحكيم استند الرأي المناهض لجواز التحكيم في القيود الإدارية على حجة مستوحاة من العلم والاجتهاد في فرنسا ولبنان.

الحجة الخامسة: منع التحكيم في العقود الإدارية هو مبدأ راسخ في العلم والاجتهاد الإداريين سواء في فرنسا أو في لبنان.

ذهب التقريران الصادران عن مجلس شورى الدولة وكذلك القراران المشار إليهما سابقاً إلى الدفع بهذه الحجة من أجل الوصول إلى بطلان شرط التحكيم الوارد في العقود محل المنازعة وذلك بذكر أن "منع التحكيم في العقود الإدارية هو مبدأ راسخ في العلم والاجتهاد الإداريين وقد استقر عليه اجتهاد مجلس الشورى الفرنسي وما برج يؤكده منذ قراراته الأولى وحتى اليوم".

 

كذلك فإن اجتهاد مجلس شورى الدولة اللبناني مستقر أيضا على وجوب احترام هذا المبدأ ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.

وبما أن منع التحكيم في العقود الإدارية هو میدا يتعلق بالنظام العام ويقتضي إثارته عفواً، وإذا حصل التحكيم فإن القرار التحكيمي ذاته بعد باطلاً ولا يمكن الاحتجاج بمشاركة الشخص العام في إجراءات التحكيم لرفض حقه في الطعن بالقرار التحكيمي.

وبما أن المبررات الأساسية لهذا المبدأ ما زالت قائمة.وهي أن مقتضيات الانتظام العام توجب على الدولة الأ تخضع إلا للمحاكم التي أنشأها القانون وأن اختصاص القضاء الإداري مرتبط بالانتظام العام كاختصاص القضاء العدلي وأنه إذا كان لا للقضاء العدلي النظر في ما يدخل ضمن اختصاص القضاء الإداري، فكيف يسمح للمحكمين النظر في هذه المسائل.

وبما أن اجتهاد المجلس الدستوري الفرنسي الحديث يؤكد أن اختصاص القضاء الإداري هو مبدأ ذو قيمة دستورية. وبما أن اختصاص القضاء الإداري في لبنان هو أيضاً مبدأ ذو قيمة دستورية وفق أحكام المادة ٢٠ من أن السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف الدستور التي تنص . على وهي يعود درجاتها واختصاصها ضمن نظام ينص عليه القانون ويحفظ بموجبه للقضاءوالمتقاضين الضمانات اللازمة".

 

وبما أن العلم والاجتهاد في لبنان يؤكدان أيضاً على أن مبدأ منع التحكيم في العقود الإدارية يرتبط بالانتظام العام لأن من يتولى السلطة العامة لا يمكنه التنازل عن امتيازاتها المتعلقة بالمصالح العليا للمجتمع ولأن التحكيم يفترض في حد ذاته تنازلاً مسبقاً من الإدارة عن بعض حقوقها أو التسليم مقدماً للخصم بحقوق قد لا يكون لها نصيب من الصحة».

وعلى الرغم من قوة الحجج التي يستند إليها الرأي المتقدم المدافع عن بطلان التحكيم بخصوص العقود الإدارية فإن هذه الحجج ليست بمنأى من الانتقاد.

119